"كوتا" في الملاعب

19 أكتوبر 2019
يشجعن منتخب بلادهن (عطا كيناري/ فرانس برس)
+ الخط -
قبل أيام، كانت الإيرانيّات في الملاعب. حضورهن لم يكن عابراً. كنّ حريصات على صنع المشهد الإعلامي محليّاً وعالمياً. وجوههنّ لم تعد كما هي، وقد طغت عليها ألوان العلم الإيراني. كانت النساء تحتفل ليس فقط بفوز منتخب بلادهن، بل كان احتفالاً بأنفسهن، هن اللواتي كن يمارسن أحد حقوقهن.

للمرة الأولى منذ نحو 40 عاماً، سمح للإيرانيات بدخول ملاعب كرة القدم. وهذا ليس حدثاً عادياً. في العاشر من الشهر الجاري، بيعت تذاكر مخصصة للنساء لمتابعة مباراة منتخب بلادهن ضد نظيره الكمبودي ضمن تصفيات بطولة العالم، وذلك في ملعب "آزادي" في طهران.

ما حدث هو استجابة لضغوط الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي هدّد إيران بإقصائها من مونديال قطر 2022 للرجال في حال لم تمنح النساء حق مشاهدة المباريات في الملاعب. وأخذت هذه القضية بعداً عالمياً، بعدما أشعلت الإيرانية سحر خضيري، المعروفة باسم "الفتاة الزرقاء" نسبة إلى زي الفريق الذي كانت تشجعه، النار في نفسها خارج المحكمة الشهر الماضي، بينما كانت تنتظر صدور حكم متوقع بحقها، لمحاولتها حضور مباراة متخفية في زي رجل. وتوفيت الشابة البالغة من العمر 29 عاماً بعد أسبوع من الحادث.

اللافت أن منظمة العفو الدولية لم تبد أي ثقة في إيران، إذ قال فيليب لوثر، من منظمة العفو الدولية، إن السماح ببيع 3500 تذكرة فقط للنساء في المباراة "حيلة دعائية من قبل السلطات تدعو للسخرية، وتهدف إلى تبييض صورتها بعد الاحتجاج العالمي على وفاة سحر خضيري المأساوية".



وكأنّ لوثر يلمّح إلى "كوتا" نسائية في الملاعب الإيرانية. استجابت إيران لضغوط الفيفا، من دون أن تكون مقتنعة تماماً بهذا الحقّ. يدخل هذا في إطار التحليل والتكهّن. لكنّ الأكيد أن عدد التذاكر التي تباع للرجال مفتوحة. ربّما قرّر المعنيّون أن الإيرانيات لن يكن مهتمات بتشجيع منتخب بلادهن، كون النساء أقلّ اهتماماً بكرة القدم من الرجال، بحسب التقديرات، أو كما هو شائع، علماً أن ذلك قد يكون نتيجة للتمييز بين الرجال والنساء منذ القدم.

واللافت أن رجال الدين يبرّرون حظر دخول النساء إلى الملاعب بـ "حمايتهن من الأجواء الذكورية" و"رؤية رجال متخففين من بعض لباسهم". وفي هذا إطلاق الكثير من الأحكام بحق النساء، وربط أية هواية تجمع بين رجال ونساء، من دون أن يتقابلوا وجهاً لوجه بالضرورة، وكأنها تنذر بما هو "سيئ" أو "غير أخلاقي". لكن لا مانع من أن تشاهد المرأة الرجال أنفسهم، المتخفّفين من بعض لباسهم، على التلفزيون، طالما أن النساء لن يجاهرن بالأمر.

وإن كانت الفيفا قد قبلت بالعرض الإيراني الأخير، إلا أن "الكوتا" ليست إنجازاً، بقدر ما هي خرق قوي لما استمرّ عقودا، والخرق الأول لا بد أن يمهدّ للمزيد من الخروقات قبل تثبيت الحقوق... أو الإنجازات.