إلى غاية عقود قليلة، مثّل المستشرقون المصدر المعرفي الأساسي حول الحضارة العربية الإسلامية، على ما في ما يقدّمونه من التباسات ونقص معرفي، ناهيك عن الأحكام الجاهزة التي كثيراً ما تحرّف التاريخ وتتجنّى عليه. تغيّرت هذه الوضعية بالتدريج في الغرب مع صعود أسماء عربية كانت لها مساهمات أكثر تمكّناً بالحضارة العربية الإسلامية مثل محمد أركون وإدوارد سعيد وأنور عبد الملك.
في هذا السياق يمكن قراءة عمل المفكر التونسي عبد الوهاب المؤدّب (1946 - 2014) الذي كان أحد أشهر المثقفين العرب في فرنسا، وكان أحد مشاريعه إعادة تقديم الحضارة العربية الإسلامية للقارئ الفرنسي، ويُعدّ كتابه "كونية الإسلام" الأبرز في هذا الاتجاه.
بترجمة محمد زرنين، صدر الكتاب مؤخراً بالعربية، عن دار "أون توت ليتر" في الدار البيضاء، ويمثّل ذلك فرصة لقراءة جديدة للعمل، حيث أنه بدا بحكم نشره بالفرنسية، وفي فرنسا، موجّهاً إلى قارئ غربي يُفترض أنه يتبنّى الرواية الغربية عن الإسلام، وبالتالي ينبغي تصحيح الكثير من مسلماته.
لكن وصول العمل إلى العربية قد يضيء أكثر انشغاله الأساسي، وهو كما يشير عنوانه الدفاع عن "كونية الإسلام" باعتبارها جوهر الدين المحمدي وهي نقيض لمقولات الانغلاق الهوياتي التي يتبناها الأصوليون في البلاد الإسلامية، ويختزل الغربيون كل المسلمين فيها.
من جانب آخر تقوم أطروحة العمل على إشارة إلى أنه لا يمكن للحضارة الغربية أن تحتكر الحداثة؛ فللحضارات البشرية الأخرى، ومنها الحضارة العربية الإسلامية، إسهاماتها في مجالات أساسية مثل العلوم والفلسفة والفنون.
هكذا يمكن اعتبار الكتاب تفكيكاً مزدوجاً لخطاب الأصولية في المشرق وخطاب المركزية في الغرب. كما يؤكّد المؤدب على أن كونية الإسلام، شرط لتجديد موارده الروحية والثقافية، والمشاركة الإيجابية في بناء العيش المشترك الكوني مع الغير.
يُذكَر أن الإصدار يتضمّن إلى جانب الترجمة العربية النص الأصلي بالفرنسية، كما يتضمّن بيبليوغرافيا موضوعاتية تغطي المجالات التي تمت دراستها وملامستها.