تميل صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية نحو نهج الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، منذ مايو/أيار الماضي، وتحاكي في ميلها هذا معظم الصحافة التقليدية الفرنسية التي تتعاطى بإيجابية مع مبادرات الرئيس الشاب، على رغم التوتر الذي نجم عن بعض قرارات قصر الإليزيه، كاختيار فريق صحافي خاص يرافق ماكرون في رحلاته الخارجية، وعدم رغبة الأخير في الإدلاء بحديث للصحافة، بمناسبة العيد الوطني في 14 يوليو/تموز المقبل.
والحديث عن "لو فيغارو" له طعم خاص، إذ تعدّ الأقدم والأكثر عراقة بين زميلاتها "لوموند" و"ليبراسيون" و"لو باريزيان"، كما مثلت لفترة طويلة الذراع الإعلامية لليمين الديغولي الجمهوري، في وجه المنابر الشيوعية واليسارية الممثلة بـ "ليبراسيون" و"لومانيتيه".
هذا التحوّل في الخط التحريري للصحيفة بدا واضحاً في أعدادها الأخيرة، خاصة بعد انتخابات تشريعية منحت ماكرون أغلبية برلمانية. وبدا عادياً نوعاً ما، إلى حين ظهور رجل الأعمال المغربي الأصل، ريشارد أتياس، المتزوج من طليقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، سيسيليا، على الصفحة الأخيرة في عدد 27 يونيو/حزيران الماضي، وعنوان "مع ماكرون، الماركة الفرنسية عائدة!".
وعقب إعلان حكومة ادوارد فيليب الثانية، افتتح بول-هنري دو ليمبير عدد الصحيفة، وهنأ ماكرون على شجاعته وذكائه في التخلص من حلفاء الحملة الرئاسية. ولم تتوقف "لو فيغارو" عند هذا الحدّ، بل سارعت إلى الطلب من ماكرون أن يخصها بمقابلته الأولى ليتحدث عن الخطوط العريضة لسياسته الخارجية.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "ماريان" عن أحد الناطقين السابقين في حملة المرشح الجمهوري الخاسر، فرانسوا فيون، قوله إن "لو فيغارو تحولت إلى ناطق رسمي باسم نواب اليمين الذين يريدون أن يكونوا السند الرئيسي للعهد الجديد، وابتعدت عن خطها التقليدي".
واعتبرت "ماريان" أن "قسماً كبيراً من قراء اليمين لا يعتبر ماكرون سوى رجل يساري أو اشتراكي مقنّع، لذلك فهم ليسوا في وارد تفهم هذا الاحتفاء به وبمشروعه في بيتهم الإعلامي، لكنّ حسابات الملياردير مالك الصحيفة، سيرج داسو، تختلف عن طموحات القراء. إذ لم يمانع داسو يوماً دعم شخصيات غير محسوبة على معسكر اليمين، طالما أنّ مصالحه الشخصية ومصلحة الصحيفة بخير، إذ وقف خلف مانويل فالس في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، ودعم توزير الاشتراكي جان-ايف لودريان".
وختمت تقريرها بالقول إن "لا رائحة للمال ولا لون سياسيا له".
كما صرّح النائب السابق تيري مارياني الذي خسر مقعده النيابي في الانتخابات الأخيرة أن "الصحيفة صدّعت رؤوسنا بوصف ماكرون بـ "هولاند فتي" (الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند)، واليوم تتبنى شعاراته كافة، وتريد القول إنها يمين بنّاء لا يضع العثرات، في حين أنها تتحول إلى صوت رديف للماكينة الإعلامية الماكرونية".
لكن الحقيقة أبعد من تطبيع ماكروني لآخر صحف اليمين في فرنسا، إذ أن اليمين نفسه انقسم اليوم إلى معسكرين؛ الأول: ليبرالي اجتماعي وسطي تمثله حالة آلان جوبيه وكوزيسكو-موريزيه وبرونو لومير، والثاني: محافظ تقليدي يتصدره فرانسوا فيون ومجموعة اليمين البرلمانية التي ترفض أن تكون "بناءة" في العهد الجديد.
لذلك، يرى كثيرون أنّ ماكرون يستخدم تلك الرافعة الإعلامية على اليسار وعلى اليمين، ليستمر في مخطط ضرب الثنائية التقليدية (جمهوريين/اشتراكيين)، ما نجح فيه إلى حد بعيد، إلى حد وصفه بـ "زمار هاملين"، من قبل النائب الجمهوري جاك ميار.
أما قرّاء "لو فيغارو" فبعضهم منجذب إلى السياسة الجديدة، والآخر رافض لـ "الانتهازية" في التبعية للرئيس الجديد والعمل على تبييض صورته ومشاريعه أمام الرأي العام.