"لو مو عامل شي ما كانوا اعتقلوه"!
الثقافةُ العامة البسيطة عادةً تكون غير منصفة في قذف الأحكام، ومتسرعة إلى حد الشماتة في بعض الأحيان. فقبل اندلاع الثورة السورية مثلاً أعرف أشخاصاً تم اعتقالهم على يد الأمن العسكري التابع للنظام السوري، وأول كلمة جارحة بحقهم من قبل المستغلين "شوفوا شو عامل، لو مو عامل شي ما كانوا اعتقلوه"، قبل التحقق من سبب اعتقاله. فكلنا يعلم أن النظام يتدخل حتى في ثيابنا الداخلية، وربما كلمة واحدة لمعتقل رأي سياسي كفيلة برميه في السجن لمدة سنين طويلة.
كانت العبارة ترنُّ في آذان أهل الضحية. وتقع كالسيف الجارح في قلوبهم دون القدرة على أي رد يكفيهم شرهم، إذ يصبحون بنظر البعض منبوذين اجتماعياً ولا أحد يتعامل معهم أو يزورهم أو يتذكرهم ببعض الكلمات التي تخفف مصابهم، إلا ما ندر.
لكن وبعد اندلاع الثورة السورية تغير المنظار، ليس للأحسن بل للأسوأ، في صراع جديد مع قذف الأحكام، فأصبح اعتقال أي شخص على يد النظام السوري مصدر فخر وسيلٍ من التبجيل والتمجيد، وقد يكون الضحية "تاجر مخدرات أو مجرماً أو لصّاً" وبمجرد احتجازه أصبح البطل الوطني بنظر السكاكين التي تحدثنا عنها لتتحول فجأة إلى ورود لطيفة، تحاول أن تغطي الشمس بالغربال أيضاً دون وازعٍ أو خجل.
مع الفصائلية الكبيرة التي نشهدها ضمن المناطق المصنفة "محررة" من قوات النظام في إدلب فُتح باب الاعتقال على مصراعيه لأسباب فكرية لا تتناسب مع المشاريع الفصائلية المتعددة، وعاد ضحايا الاعتقال يجابهون عبارة "لو مو عامل شي ما كانوا اعتقلوه" وكأن منفذي الاعتقال ملائكة معصومة عن الخطأ.
كنت أقلب في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي رأيت صورةً لمدير مجلة كان معتقلاً سابقاً لدى تنظيم الدولة بريف إدلب في عام 2013، وقد نشر الصورة أحد أصدقائه المقربين مطالباً بإطلاق سراحه.. وبالفعل أطلق سراحه في ما بعد.
اليوم ومن غير ميعاد أعاد صاحب الصورة (المعتقل) ذكراها معلقاً بطريقة ساخرة "شوف شو منجّس" وآخر علق أيضاً ممازحاً "لو ما في عليه شي ما كانوا أخدوه" وهي رسائل موجهة لمن لا يمسح الغبار عن عينيه قبل أن يتحقق من سبب الاعتقال، الذي كان فقط "مديراً لمجلة كافرة" أو بالأحرى أي وسيلة إعلامية هي جرمٌ لا يغتفر بنظر التنظيم.
أصبحت عبارة "لو مو عامل شي" وسيلة تبرير يائسة مكشوفة ومفضوحة لمنهجية القوي المتسلط على رقاب الناس ومن داعميه، مُحاولةً أن ترسّخ شرعية المستبد المعدومة، وتجرّد حقوق المظلوم المشروعة.