في علاقة نظام الأسد بفلسطين بديهيات لا تحتاج لتضييع الحبر والوقت لتوكيدها، سوى لإعلان البراءة دائماً من مستبد الشام. فهو يدعي "حبها"، حد القتل والتنكيل بشعبها، كما في مخيم اليرموك، وباقي مخيمات سورية. ويتذكر الفلسطيني-السوري، المجند إجبارياً في "جيش التحرير الفلسطيني"، سيل الشتائم بحق فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ساحات الاستقبال، مثلما يتذكر، ومعه سوريون، شتائم وأفعال تنكيل استخبارات الأسد، وخصوصاً "الضابطة الفدائية" و"فرع فلسطين"، بحق من التحق بالثورة الفلسطينية وحمل السلاح بوجه الاحتلال.
بعض السجالات الفلسطينية حول قرار محو مخيم اليرموك تثير الغثيان. فمن دمر المدن السورية هو ذاته من ارتكب مذبحة مخيم "تل الزعتر" في بيروت، وشن حصاراً وحرباً على مخيمات لبنان، وشق الصف الفلسطيني (1984-1988). لربما تحتاج الحالة الفلسطينية، من يسارها "الثوري"، بجبهاته المختلفة، وحركاتها الوطنية والإسلامية، وطبقة "المثقفين والكتبة"، لنقاش آخر عن خذلانها تغريبة شعب اليرموك، تحت قصف "الميغ" والصواريخ في 2012، وحصار "قناصة الممانعة" تجويعاً، تحت نظر ومشاركة المحتفلين بـ"يوم القدس العالمي".
فالواقع المر والفاضح لفصائل "العمل الوطني"، صاحبة "خيمة اعتصام" مع المخيم، وزيارات مكوكية من رام الله إلى قصر الأسد، أنها تستمر بالتلعثم وتجنب قول الحقيقة، وتصمت على تصفية مئات الرجال والنساء الفلسطينيين، كإخوتهم السوريين، في مسالخ الأسد، وبعضهم قيادات في الفصائل، كقيادي إقليم حركة "فتح" موعد الموعد. وحتى حين زُج ببعض الفلسطينيين للقتال إلى جانب النظام وأذرع إيران، وقفت الفصائل صامتة على تبرير الجرائم باسم فلسطين و"طريق القدس". بل راحت توسع "خيمة الاعتصام"، وقوائم "الطحين"، وتعمل على تمييع وتجهيل المحاصر والقاتل. في الذاكرة الفلسطينية مثّل المخيم "وطناً مؤقتا" في طريق العودة، حيث تجمعت فيه أسر وقرى "النكبة". مات أمام ناظري تلك الفصائل أجداد وآباء كمداً من تغريبة اليرموك، الذي شكل لسنوات ملاذاً عربياً لحيوية سياسية وثقافية، بعد إخراج منظمة التحرير من بيروت.
والمخزي الآخر، مع استفحال الصمت والفرجة، حتى ممن عاد إلى رام الله بعد سنوات "نضال" في اليرموك، أننا نعيش حالة ثقافية-سياسية "قومية" و"يسارية" فلسطينية متخاذلة، وصفها مبكراً في "مجلة الناقد" في 1993 أنيس صايغ كحالة "المثقف البلطجي والخزمتجي والحكوجي والمصلحجي والوطنجي في خدمة السلطان". فمنذ تهجير اليرموك، ثمة قيادات "ثورية" ومثقفون وكتاب مارسوا تبريراً للقاتل، أبعد مما فعلت منظومة "روابط القرى" العملية، منتصف سبعينيات القرن الماضي، تلميعاً للحكم العسكري الاحتلالي للضفة الغربية المحتلة.