يحرص معرض "مسيحيو الشرق، ألفا عام من التاريخ"، الذي ينظمه معهد العالم العربي في باريس، هذا العام، على إظهار كونه وسيلة للتقارب بين العرب وأوروبا، وداعماً لحوار حضارات يعود بالنفع على الجميع.
وينطلق المعرض، غداً الثلاثاء، وكتب رئيس المعهد، جاك لانغ: "الرهان ذو طابع سياسي وثقافي وحضاري، ولأنّ جذور هذه الطوائف تغرف من الزمن الأول للمسيحية، ومن دونها كان العالَم العربي سيكون مختلِفاً بشكل جذري. والمستقبلُ يجب أن يُشيَّدَ معها".
وتستعيد الأنشطة ذاكرة مسيحية متنوعة وخصبة، ويقدم المعرض لرواده كنوزاً وذخائر بعضها يُعرَض لأول مرة، بعمل دؤوب من جمعية "عمل الشرق" L'œuvre d'Orient التي تنشط منذ 1856، وبينها جداريات "دورا-أوروبوس" السورية، والتي تعود إلى القرن الثالث الميلادي، وفسيفساء من الكنائس الفلسطينية والسورية الأقدم، وكذا مخطوطة أناجيل "رابولا السرياني" التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، وغيرها.
وتضم الفعاليات كثيراً من التفاصيل والشروح والإضاءات والأفلام، التي تتناول الجوانب الدينية والسياسية والثقافية والفنية للطوائف المسيحية (الرومية والقبطية والآشورية الكلدانية والسريانية والأرمنية والمارونية)، عبر خصوصياتها وتقاطعاتها واختلافاتها، وعلاقاتها مع طوائف وديانات أخرى، وخصوصاً الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تدين بالوثنية، قبل أن تصبح المسيحية دينَها الرسمي بعد ثلاثة قرون عاصفة، ثم الإسلام، خاصة بعد فتح الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لبيت المقدس سنة 637 م، لتصبح المدينة مقدسة لدى الديانات السماوية الثلاث.
ولا يغيب عن المعرض التجاذب بين المسلمين والمسيحيين، والذي كان أحياناً عنيفاً، كما تعبر عنه الحروب الصليبية، وفترات الخلافة العثمانية، حيث لعب المسيحيون دوراً حاسماً في الإدارة والحياة الفكرية والاجتماعية، قبل أن يتعرض الأرمن لمجازر دامية، وهو في السياق نفسه، يرصد مساهمة المفكرين المسيحيين في إيقاظ الحركات القومية من خلال تسليط الضوء على حركة "النهضة"، واكتشاف المطبعة، والتي كشفت انخراطاً كلياً لمسيحيي الشرق في مجتمعاتهم، ودورهم في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية والأدبية والفكرية مع باقي الطوائف.
وينقل المعرض الزائر من عصر المسيحية الأولى، حيث نقص المعلومات والتحف، مروراً بتنوع الطوائف المسيحية وتفاعلاتها وزخمها، ثم علاقات الصراع والتفاعل مع الآخَر غير المسيحي، وصولاً إلى مجموعة من اللوحات الحديثة والمعاصرة، من لبنان ومصر وفلسطين وأرمينيا وغيرها.
ويستحضر الزائر من خلال المقتنيات كماً كبيراً من المعلومات عن ألفي سنة من تاريخ مسيحيي المشرق، والمخاطر التي تهدد وجودهم، والتي تطرح إشكالية حماية التراث المسيحي الذي صمد أكثر من ألفي سنة، والذي يوصل إلى سؤال: "هل سيستمر التنوع الديني في الشرق العربي في ظل التشدد وغياب التسامُح؟".
التساؤل نفسه يطرحه المونسنيور باسكال غولنيش، المدير العام لـ"جمعية الشرق" التي تتبنى مقاربة المحافظة على التراث وترميمه، قائلاً: "هل يجب الرحيل أم البقاء؟ إن هذا التناقض النفسي قائم داخل كل عائلة".
وتتخلل المعرض الذي يمتد بين 26 سبتمبر/أيلول 2017، و14 يناير/كانون الثاني 2018، لقاءات ونقاشات وعرض 9 أفلام درامية ووثائقية، وعقد ندوات، بينها "دور المسيحيين في المجتمعات العربية. الحقبة الحديثة والمعاصرة"، و"مبادئ تأويل النصوص المؤسِّسَة في الإسلام والمسيحية"، و"مسيحيو الشرق: المقاومة على أرضنا"، و"حرية دينية متوسطية؟ وضعية ورهانات".
كما تحتضن مؤسسة "كوليج دي بيرناردان"، القريبة من معهد العالم العربي، أنشطة وندوات عن مسيحيي الشرق، بينها "من الروحانية إلى المُواطَنَة"، و"تدمير الذاكرة، هل هو سلاح حرب؟".