"مصر البعيدة".. القاهرة الحقيقية تفضح الأغنية الحكومية

01 مارس 2015
مصريون أمام عربة الفول صباحاً (من الفيديو)
+ الخط -

لم ينته الجدل الذي أحدثه فيديو كليب "مصر قريبة"، وربما لن ينتهي؛ لأن المزيد من هذا النوع المبتذل من الفن سيظهر بين الحين والآخر، طالما ظلت الحكومات المصرية حريصة على الادعاء والتسول وتجميل الصورة القاتمة، ولو بتزوير الواقع واستخدام المشاهير.

لكن عنوان الأغنية المصورة بتكلفة حكومية وإنفاق غير محدود، على كل ما فيها من إهانات لمصر والمصريين، يذكر بأغنية أخرى بسيطة وقليلة التكلفة، لكنها معبرة عن واقع الشارع المصري وهموم المواطنين المصريين، وللحظ فإن اسمها "مصر البعيدة".

في نهاية 2013، ظهرت "مصر البعيدة" إلى النور، من كلمات الصحافي عمر طاهر، وألحان وتوزيع الموهوب شريف الوسيمي، وإخراج محمد سلامة، وغناء صوت مصري رائع هو محمد محسن.

تقول كلمات "مصر البعيدة": "صباح الخير يا مصر الجديدة. صباح الخير يا مصر البعيدة. صباح الجرح ع المكشوف. صباح الدبح فى المجروح. صباح ممسوح. ودموعه نازلة مفتفتة. شبه فتارين وسط البلد. وسط الشتا".

وتم تصوير الأغنية في وقت مبكر من صباح قاهري عادي، وسط مواطنين مصريين حقيقيين، بينهم أم تجرّ طفليها في الطريق جراً وسط الزحام غير المنظم، للوصول بهما إلى مدرستهما، وعمال جمع القمامة، وبائع فول على عربة صغيرة في جانب الشارع يتراص أمامها كثيرون، وسيدة مسنة تجاهد لمواصلة البقاء على قدميها في طابور الحصول على الخبز، وبائع عجوز في متجر بسيط ينتظر على الباب حتى يفتح المتجر أبوابه، وفتيات يحملن حقائبهن ويراوغن السيارات في طريقهن إلى المدرسة، وموظف حكومي يحمل على كتفه كتلة كبيرة من أوراق عمله.



وتستعرض الأغنية المصورة شوارع العاصمة المصرية غير المهندمة، وانتظار المواطنين للحافلات غير المنضبطة المواعيد في محطاتها، وحركة بائع "الطراطير" و"الصميت" وسط الزحام.
كما تستعرض وجوه المصريين الحقيقية التي تملأها التجاعيد الباقية من أثر الزمن، أو بالأحرى من أثر الفقر أو القهر أو البؤس- ربما كلها معا- والذي يقبع فيه غالبية الشعب منذ سنوات طوال.

وكان منتجو الأغنية غاية في التوفيق في اللجوء إلى عازف آلة "التشيللو" الموسيقية، الذي يظهر مصاحبا للمطرب في معظم المشاهد المصورة، فالآلة غير المعروفة لدى كثير من المصريين، رمز أحسن استخدامه للتعبير عن كونهم مهملين رغم أهميتهم، ومجهولين رغم أحقيتهم. كما أن حجمها يشير إلى كثير من المصريين الذين يؤمنون بأن الحجم أهم من الجوهر، ويلتفتون إلى الأشياء الضخمة أكثر من الأشياء الصغيرة، وإلى العبارات الرنانة أكثر من الحقيقة.

ويرى البعض في "التشيللو" أو "الكونترباص" رمزا للمواطن المصري الذي باتت البدانة و"الكرش" إحدى سماته، ليس عن رفاهية أو رغد، وإنما بسبب التلوث وعادات سيئة كثيرة في الطعام والشراب وغياب الرياضة وغيرها.

الوجوه التي ظهرت في "مصر البعيدة" هي تلك الوجوه التي يمكن لأي زائر لمصر أن يشاهدها في كل مكان، والشارع والعمال والحافلات والأطفال وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية في مصر، هي نفسها القائمة في الحقيقة.

وبمقارنة بسيطة بين "مصر قريبة" و"مصر بعيدة"، تتضح حالة الاختلاف بين نظرة النظام الحاكم لما هي عليه أحوال المواطنين، المتمثلة في استخدام المشاهير، والنفاق والتزلف الأقرب إلى التسول منه إلى المواطنة، وتصوير المصرية باعتبارها فتاة ليل، والمصري باعتباره خادما أو نصابا.

وفي المقابل، هناك في الفيديو الآخر، نظرة شبان مصريين يعيشون وسط الناس، لواقع وحقيقة معاناة البشر وفشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها تجاههم، ومدى صبر المصريين على الحكومات الفاشلة المتعاقبة عليهم، أو خضوعهم للمفروض عليهم، بدعوى "القسمة والنصيب".

في النهاية، لن تجد من يعرض "مصر البعيدة" أو يهتم بتكرارها ليل نهار على المصريين في الفضائيات والإذاعات، بعكس "مصر قريبة" التي باتت، خلال أيام قليلة من ظهورها، مادة إعلامية يحرص النظام الحاكم على أن تكررها كل الوسائل الإعلامية التابعة له "الأذرع"، حرصا على أن يحفظها المصريون ويكررونها، دون حتى أن يفهم الكثير منهم الرسالة التي تتضمنها، والتي تسيء إليهم وإلى تاريخهم.

اقرأ أيضا:
أوبريت "مصر قريبة".. اعتذار أم تأكيد بأن "فلوسهم زي الرز"!
"#مصر_قريبة".... مصر بعيدة: جبت معاك رز؟
دلالات
المساهمون