وقال ليفنغستون إنه يغادر الحزب الذي انضم إليه قبل خمسين عاماً وفي داخله "حزن شديد"، لكنه سيتابع مناصرة رئيس الحزب جيريمي كوربن والدعوة لانتخابه رئيساً للوزراء.
وأوضح ليفنغستون في بيان استقالته من الحزب أنه "بعد الكثير من النقاش، قررت الاستقالة من حزب العمال". وأضاف "نحتاج بشدة إلى حكومة يقودها كوربن لتغيير بريطانيا وسأعمل لصالح هذا الهدف." ولفت إلى "أن القضايا المستمرة حول تعليق عضويتي في حزب العمال قد أصبحت تشتت الانتباه عن القضايا السياسية الرئيسية في وقتنا الحالي – والتي هي استبدال حكومة المحافظين التي يشهد عهدها تراجعاً في معايير الحياة وارتفاعاً في مستويات الفقر، ومنع المدارس والنظام الصحي من الوصول إلى الموارد الضرورية التي تحتاجها".
وكانت عضوية ليفنغستون (72 عاماً) في حزب العمال قد عُلّقت عام 2016، على خلفية تصريحات قال فيها إن أدولف هتلر كان يدعم الحركة الصهيونية عندما وصل إلى الحكم في ثلاثينيات القرن الماضي. وبالرغم من اعتذار ليفنغستون عن أية إساءة كان قد وجهها لليهود البريطانيين في تصريحاته، نفى أن يكون معادياً للسامية، والتي هي نوعٌ من العنصرية الموجهة ضد اليهود، وغالباً في الدول الأوروبية.
وأكد ليفنغستون أن ما رواه عن دعم هتلر للصهاينة حقيقة تاريخية "لا أقبل الادعاءات بأنني وضعت حزب العمال في موقف محرج – ولا أنني مذنب بمعاداة السامية. أحتقر معاداة السامية، وحاربتها طوال حياتي وسأستمر في ذلك. ولكنني أقرّ بأن الطريقة التي صغت فيها حجتي التاريخية تسببت بإهانة للمجتمع اليهودي. وأنا آسف حقاً لذلك".
وكانت قضية معاداة السامية في صفوف حزب العمال قد اشتعلت من جديد بعد أن دعم كوربن فناناً رسم لوحة جدارية في شرقي لندن تسمها المغالطات حول "الهيمنة اليهودية على العالم"، قبل أن يعتذر عن هذه الخطوة بقوله إنه لم ير اللوحة ذاتها وإنما كان يدافع عن حرية التعبير.
إلا أن معاداة السامية في صفوف حزب العمال ليست بالجديدة، وتشتعل بين الفينة والأخرى، فما هي الأسباب الكامنة وراءها في حزب العمال؟
يقول البروفيسور في جامعة لندن بن غيدلي، وهو عضو في حزب العمال ومختص في معاداة السامية وكراهية الإسلام، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك درجة من معاداة السامية في صفوف الحزب، وتعود لأربعة مصادر:
أولاً، معاداة السامية مثلها مثل حالات العنصرية الأخرى كتلك التي ضد المسلمين والعرب منتشرة في المجتمع البريطاني، ومن البديهي أن تجد متنفساً لها في صفوف حزب العمال على حد تعبيره. ويؤكد غيدلي على أن هذه الظاهرة موجودة بشكل متساو تقريباً بين أنصار الحزبين الرئيسين في بريطانيا: المحافظين والعمال.
ثانياً، هناك ما يُعرف باسم "اشتراكية البلهاء" في اليسار السياسي، والتي توجه كراهيتها ضد النظام الرأسمالي نحو اليهود، على حد وصفه.
ثالثاً، وكما نوه كوربن نفسه، هناك نوع جديد من معاداة السامية مرتبط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يتم توجيه اللوم إلى اليهود البريطانيين على ممارسات إسرائيل، أو القول إن مناقشة معاداة السامية طريقة لتبييض الجرائم الإسرائيلية ... وأغلب الشخصيات الرفيعة المتهمة بمعاداة السامية تنطلق من هذه النقطة".
أما رابعاً، هناك تصاعد قوة نظريات المؤامرة في صفوف اليسار، والتي تؤججها وسائل الإعلام الحكومية الروسية والإيرانية وبعض المواقع اليسارية الإلكترونية، إذ يتم توجيه اللوم حول مآسي العالم إلى شبكات خفية من القوى السرّية. وهذا النوع من معاداة السامية منتشر في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي غير الرسمية والمؤيدة لحزب العمال.
ويستطيع الحزب التعامل مع هذه المشكلة فور اعترافه بوجودها، وضرورة العمل على حلها. ويقول غيدلي "إن بعض قيادات الحزب تقرّ بضرورة التحرك الحازم للتعامل مع المشكلة، وتسريع التحقيقات، وتطوير الوعي بين ناشطي الحزب حول الأشكال التي تتخذها العنصرية".
لكن غيدلي يرى أن المسألة أصبحت محط جدل مركزي في بريطانيا، وتستغلها الصحافة اليمينية في مهاجمة حزب العمال، كما يستغلها الجناح اليميني في الحزب لمهاجمة كوربن. ويشير إلى أن "العديدين في الجناح اليساري للحزب قد أصبحوا متبنين لثقافة الإنكار. فعدد كبير من أعضاء الحزب يرون أن هذه الاتهامات لا تهدف إلا "لتشويه" سمعة كوربن ويرفضون الاعتراف بوجود أمثلة واضحة من معاداة السامية، وهو ما يضعنا في دائرة مغلقة تمنع خلق قاعدة للنقاش الصادق حول المشكلة".
ويرى غيدلي أنه لدى البريطانيين الوعي الكافي للتمييز بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، لكن توجد مساحة حيث يكون الحد الفاصل بينهما مشوشاً ويصعب تمييزه. ويلفت إلى أنه "في هذه الحدود المشوشة بين معاداة السامية والصهيونية كل مرة يرد ناشط عمالي على تهمة معاداة السامية بذكر جرائم إسرائيل، وفي كل مرة يتحدث شخص منتقداً معاداة السامية فإنه يُتهم بأنه يتلقى أموالاً من السفارة الإسرائيلية". ويضيف غيدلي "هناك أيضاً مسألة محط استفهام في صفوف العمال وهي أنه لماذا تتسبب جرائم إسرائيل برد فعل قوي في صفوف اليسار البريطاني أكثر من الجرائم الأخرى – على سبيل المثال، حقيقة وجود عدد قليل جداً من التظاهرات حول العدد الكبير من الفلسطينيين الذين قتلهم نظام الأسد منذ عام 2011".
وبينما يُعد البريطانيون اليهود من بين مؤيدي حزب العمال تقليدياً، حالهم من حال الأقليات البريطانية الأخرى، يرى غيدلي أن تصاعد الخطاب المعادي لهم في المجتمع البريطاني، خصوصاً في صفوف اليسار يدفعهم للتصويت للأحزاب الأخرى، وهو ما تجلى في الانتخابات العامة الماضية 2017، والانتخابات المحلية في مايو/أيار الحالي، إذ لم يتمكن حزب العمال من الانتصار في مناطق تواجد التجمعات اليهودية.