تعرّف الفلاسفة المسلمون على مؤلّفات أفلاطون في فترة مبكرة، ولكنها لم يشكّل نقلها إلى العربية محور اهتمام مثلما لقيه أرسطو الذي ترجمت بعض أثاره ووضع حولها الكثير من الشروح، لأسباب تتعلّق باعتمادها الحوار ضمن لغة مسرحية غالباً، رغم أن كتب التراث أوردت بعض الترجمات لكنها لم تصل إلينا.
تعدّدت نُقول الفيلسوف اليوناني (427 ق. م -347 ق.م) في العصر الحديث، وكانت في مقدّمتها كتاب "الدفاع" الذي صدر عام 1973 بترجمة زكي نجيب محمود عن الإنكليزية وتضمّن محاورة "دفاع سقراط"، لتتوالى الترجمات بتوقيع العديد من المترجمين مثل عزت قرني عن اليونانية، ومحمد صقر خفاجة وسهير القلماوي كما صدرت المحاورات كاملة في ستّة مجلدات بترجمة شوقي تمراز عن الإنكليزية أيضاً.
ضمن سلسلة "الفلسفة" في "الهيئة العامة لقصور الثقافة"، صدر حديثاً كتاب "من محاورات أفلاطون: ثياتيتوس وفايدروس" بترجمة أميرة حلمي مطر، الذي تتناول طبيعة العلم، باعتبارها مسألة ملحّة تطرّق إليها العديد من فلاسفة عصره، ويفصّل فيها رأيه في النظرية الحسية في المعرفة.
على منوال بقية محاوراته الأولى، يذهب صاحب كتاب "الجمهورية" إلى طرح الأسئلة أكثر من سعيه إلى الإجابة عنها، وإبراز التناقضات والمغالطات التي تهمين على الإجابات السائدة حولها، حيث هيمنت شخصية سقراط، الذي يسأل الناس عن أشياء يدّعون معرفتها ويدَعي هو الجهل بها، ومن خلال الحوار يوضح سقراط أن هؤلاء الناس حقاً لا يعلمون ما يدَعون معرفته.
يحاجج أفلاطون بأن المعرفة اليقينية، أو العلم، لم تعد تفسَّر بأنها الركون إلى تأمل الحقائق العليا الأزلية، بقدر ما أصبحت محاولة وجهدًا لتعقّل العلاقات القائمة بين هذه الحقائق، مولياً اهتمامه بمنهج القسمة والجَدَل العقلي على نحو ما ظهر خاصة في محاورتَيْ فايدروس والسفسطائي.
تبرز المحاورة نظرته الإيجابية تجاه الفن وفلسفة الجمال، الموضوعين الذي بثّ آراءه حولها في العديد من مؤلّفاته الأخرى، من خلال طرحه للنموذج المثالي من الفن الأفلاطوني، وهو الفن المعبّر عن الوحدة المثالية للخير والجمال والحق، ذلك الثالوث الذي يكشف عنه الفنان في هوسه وإلهامه، كما يكشف عنه في حدسه لعالم المُثُل وفي تجربة العشق القريبة من جذب الشعراء وإلهامهم.