يندر أن تجد بيتاً سودانياً لا يشكو من تأخر زواج إحدى فتياته اللواتي تجاوزن الثلاثين. العنوسة ازدادت في الفترة الأخيرة في السودان بشكل كبير، إذ يقدّر بعض أساتذة علم الاجتماع المعدل بثلاث فتيات متأخرات في الزواج مقابل كلّ شاب متأخر.
باتت العنوسة همّاً يؤرق معظم الأسر ويشكل ضغطاً نفسياً ومعنوياً وجسدياً على العانس نفسها، ما يقودها في أحيان كثيرة إلى الارتباط بمن هو أقل منها أكاديمياً واجتماعياً فقط لإزاحة شبح العنوسة عنها، ولإنجاب طفل قبل أن يفوتها قطار الزواج.
تقول ريماز (40 عاماً) إنّها تخرجت من كلية الطب في جامعة "الجزيرة" السودانية، ومارست بعدها المهنة. هي متخصصة في أحد الفروع الطبية، وتعمل حالياً في مستشفى. تؤكد أنّها اضطرت إلى الزواج من شخص تفوقه من الناحيتين الأكاديمية والمادية بهدف الإنجاب، لا سيما بعد بلوغها الثانية والثلاثين من عمرها. تعلق: "كان هو الشخص الوحيد الذي تقدم لخطبتي، وأنقذني من ملاحقات عائلتي وجيراني وحتى زملائي". وتؤكد أنّ الفوارق بينهما ظهرت، منذ اليوم الأول للزواج، وزادت بينهما المشاكل، لكنّها تحملت من أجل تحقيق هدفها في الإنجاب: "بالفعل، أنجبتُ ثلاثة أولاد قبل أن ننفصل، بعدما باتت حياتنا مستحيلة". تتابع: "أعتقد أنّ لفظ مطلقة أخف وطأة بكثير من عانس ببشاعتها وتأثيرها النفسي السيئ في المجتمع السوداني".
أما روان (45 عاماً) فتؤكد أنّها استعجلت في أمر الزواج تحت ضغط أسرتها، لا سيما أنّ شقيقاتها تزوجن وبعضهن أصغر منها سناً. تقول إنّها تزوجت بشاب عاطل عن العمل، لكنّها أخفت ذلك عن أسرتها. توضح: "تعجيل أسرتي لي وحضّي على الزواج منعها من السؤال عنه جيداً. أنا شخصياً فوجئت بصفات في شخصيته جعلت حياتي مستحيلة معه، فوصلنا إلى حدّ الانفصال بعد ثلاثة أشهر من الزواج. كانت حياتي خلال فترة الزواج جحيماً حقيقياً ما قادني إلى اتخاذ قرار بعدم تكرار التجربة".
من جهتهم، أطلقت مجموعة من الشباب مبادرة مجتمعية لحلّ مشكلة العنوسة بعنوان "نبني بيت". تهدف المبادرة إلى تسهيل الزواج للشباب عبر المساهمة مادياً في تجهيزات العرس، وتوفير وظائف للأزواج، فضلاً عن التوفيق بين الفتيات والشبان، بعد تحديد كلّ طرف مواصفات شريك حياته المقترحة.
اقــرأ أيضاً
يقول مسؤولو المبادرة إنّها تبتعد عن فكرة عقد زيجات جماعية باعتبارها أثبتت فشلها في السابق إذ كانت تتبناها أجهزة حكومية. يشيرون إلى أنّ مبادرتهم تعمل على أساس عدم التشهير إذ تقدم خدماتها في سرية تامة. ويؤكدون اعتمادهم في تمويل مبادرتهم على أهل الخير، مشيرين إلى التجاوب الكبير من الشباب في تدوين مواصفات شريك حياتهم كي تعمل اللجنة على تمهيد التعارف وإكمال مراسم الزواج. ويوضح المسؤولون: "هناك زيجات تمت بهذه الطريقة وكتب لها النجاح" مشيرين إلى أنّ المبادرة تعني بشكل كبير تحديد المصداقية والجدية في الباحثين عن شريك الحياة.
لم تكن تلك المبادرة الأولى من نوعها فقد ظهرت في السودان مكاتب زواج لاقت انتقادات كبيرة اعتبرتها دخيلة على المجتمع السوداني وتحطّ من كرامة المرأة "لأنّها تشجعها على البحث عن عريس" لا سيمّا أنّ شريحة من المجتمع السوداني تأخذ على المرأة مجرد التعبير عن مشاعرها وإن كان لزوجها بالذات باعتباره عيباً.
النظرة إلى الفتاة العانس ليست سلبية بالكامل، وإن كان هناك ضغط نفسي عليها بتكرار أسئلة تتصل بتأخر زواجها. تتعدد أسباب العنوسة وإن كان أبرزها الظروف الاقتصادية والعادات والتقاليد المتبعة في الزواج، وهي عادات مرهقة مالياً.
تقول إيمان (25 عاماً)، إنّ من سابع المستحيلات أن تلجأ إلى مكاتب الزواج أو أيّ مبادرات من ذلك النوع حتى لو تخطت الستين عاماً. توضح: "الزواج أسمى من أن يجري بمثل هذه الكيفية، كما أنّ الخطوة لا تشبهنا كسودانيين ولا كرامة فيها للمرأة".
من جهته، يقول أستاذ الصحة النفسية علي بلدو، إنّ 70 في المائة من السودانيات يبتلين بالعنوسة المعروفة محلياً بـ"بمرض حامد". يقول إنّ "وصمة العنوسة" تقود الشابات إلى الاكتئاب والخوف من المجتمع والشعور بالدونية وفقدان القدرة على الدخول في نقاشات فكرية. يوضح: "كذلك، فإنّ الخوف من الوصمة قد يقود الفتيات لإيجاد زوج بأيّ طريقة وإن كان عبر اللجوء إلى الدجل والشعوذة وإنفاق المال على ذلك".
يعتبر بلدو أنّ مشكلة العنوسة يمكن أن تقارن بالمخدرات من ناحية الأثر النفسي والاجتماعي السلبي على الشابات العوانس. لكنّه يؤكد أنّ المجتمع هو السبب الرئيسي في الانعكاسات السلبية تلك من خلال المعايرة التي ينتهجها أفراده للنيل من المرأة باعتبارها "عانس/ بايرة" وبالتالي، عدم تقدير إنجازاتها مهما كانت، ومحاولة قياس نجاحها في الحياة بالزواج فقط، داعياً إلى إزالة الحواجز بين الجنسين وإعادة الاعتبار إلى المرأة السودانية بصفتها إنساناً كاملاً سواء تزوجت أم لم تتزوج. ويشدد بلدو على ضرورة الوقوف ضد استغلال بعض الرجال للفتاة التي تأخرت عن الزواج من خلال إتمامهم زواجاً غير متكافئ معها، تهدف من ورائه فقط إلى إنجاب الأطفال والهرب من انتقادات المجتمع. ويعتبر أنّ من شأن ذلك أن يقود إلى خلخلة المجتمع وخلق مشاكل أسرية تنتهي في المحاكم.
اقــرأ أيضاً
باتت العنوسة همّاً يؤرق معظم الأسر ويشكل ضغطاً نفسياً ومعنوياً وجسدياً على العانس نفسها، ما يقودها في أحيان كثيرة إلى الارتباط بمن هو أقل منها أكاديمياً واجتماعياً فقط لإزاحة شبح العنوسة عنها، ولإنجاب طفل قبل أن يفوتها قطار الزواج.
تقول ريماز (40 عاماً) إنّها تخرجت من كلية الطب في جامعة "الجزيرة" السودانية، ومارست بعدها المهنة. هي متخصصة في أحد الفروع الطبية، وتعمل حالياً في مستشفى. تؤكد أنّها اضطرت إلى الزواج من شخص تفوقه من الناحيتين الأكاديمية والمادية بهدف الإنجاب، لا سيما بعد بلوغها الثانية والثلاثين من عمرها. تعلق: "كان هو الشخص الوحيد الذي تقدم لخطبتي، وأنقذني من ملاحقات عائلتي وجيراني وحتى زملائي". وتؤكد أنّ الفوارق بينهما ظهرت، منذ اليوم الأول للزواج، وزادت بينهما المشاكل، لكنّها تحملت من أجل تحقيق هدفها في الإنجاب: "بالفعل، أنجبتُ ثلاثة أولاد قبل أن ننفصل، بعدما باتت حياتنا مستحيلة". تتابع: "أعتقد أنّ لفظ مطلقة أخف وطأة بكثير من عانس ببشاعتها وتأثيرها النفسي السيئ في المجتمع السوداني".
أما روان (45 عاماً) فتؤكد أنّها استعجلت في أمر الزواج تحت ضغط أسرتها، لا سيما أنّ شقيقاتها تزوجن وبعضهن أصغر منها سناً. تقول إنّها تزوجت بشاب عاطل عن العمل، لكنّها أخفت ذلك عن أسرتها. توضح: "تعجيل أسرتي لي وحضّي على الزواج منعها من السؤال عنه جيداً. أنا شخصياً فوجئت بصفات في شخصيته جعلت حياتي مستحيلة معه، فوصلنا إلى حدّ الانفصال بعد ثلاثة أشهر من الزواج. كانت حياتي خلال فترة الزواج جحيماً حقيقياً ما قادني إلى اتخاذ قرار بعدم تكرار التجربة".
من جهتهم، أطلقت مجموعة من الشباب مبادرة مجتمعية لحلّ مشكلة العنوسة بعنوان "نبني بيت". تهدف المبادرة إلى تسهيل الزواج للشباب عبر المساهمة مادياً في تجهيزات العرس، وتوفير وظائف للأزواج، فضلاً عن التوفيق بين الفتيات والشبان، بعد تحديد كلّ طرف مواصفات شريك حياته المقترحة.
لم تكن تلك المبادرة الأولى من نوعها فقد ظهرت في السودان مكاتب زواج لاقت انتقادات كبيرة اعتبرتها دخيلة على المجتمع السوداني وتحطّ من كرامة المرأة "لأنّها تشجعها على البحث عن عريس" لا سيمّا أنّ شريحة من المجتمع السوداني تأخذ على المرأة مجرد التعبير عن مشاعرها وإن كان لزوجها بالذات باعتباره عيباً.
النظرة إلى الفتاة العانس ليست سلبية بالكامل، وإن كان هناك ضغط نفسي عليها بتكرار أسئلة تتصل بتأخر زواجها. تتعدد أسباب العنوسة وإن كان أبرزها الظروف الاقتصادية والعادات والتقاليد المتبعة في الزواج، وهي عادات مرهقة مالياً.
تقول إيمان (25 عاماً)، إنّ من سابع المستحيلات أن تلجأ إلى مكاتب الزواج أو أيّ مبادرات من ذلك النوع حتى لو تخطت الستين عاماً. توضح: "الزواج أسمى من أن يجري بمثل هذه الكيفية، كما أنّ الخطوة لا تشبهنا كسودانيين ولا كرامة فيها للمرأة".
من جهته، يقول أستاذ الصحة النفسية علي بلدو، إنّ 70 في المائة من السودانيات يبتلين بالعنوسة المعروفة محلياً بـ"بمرض حامد". يقول إنّ "وصمة العنوسة" تقود الشابات إلى الاكتئاب والخوف من المجتمع والشعور بالدونية وفقدان القدرة على الدخول في نقاشات فكرية. يوضح: "كذلك، فإنّ الخوف من الوصمة قد يقود الفتيات لإيجاد زوج بأيّ طريقة وإن كان عبر اللجوء إلى الدجل والشعوذة وإنفاق المال على ذلك".
يعتبر بلدو أنّ مشكلة العنوسة يمكن أن تقارن بالمخدرات من ناحية الأثر النفسي والاجتماعي السلبي على الشابات العوانس. لكنّه يؤكد أنّ المجتمع هو السبب الرئيسي في الانعكاسات السلبية تلك من خلال المعايرة التي ينتهجها أفراده للنيل من المرأة باعتبارها "عانس/ بايرة" وبالتالي، عدم تقدير إنجازاتها مهما كانت، ومحاولة قياس نجاحها في الحياة بالزواج فقط، داعياً إلى إزالة الحواجز بين الجنسين وإعادة الاعتبار إلى المرأة السودانية بصفتها إنساناً كاملاً سواء تزوجت أم لم تتزوج. ويشدد بلدو على ضرورة الوقوف ضد استغلال بعض الرجال للفتاة التي تأخرت عن الزواج من خلال إتمامهم زواجاً غير متكافئ معها، تهدف من ورائه فقط إلى إنجاب الأطفال والهرب من انتقادات المجتمع. ويعتبر أنّ من شأن ذلك أن يقود إلى خلخلة المجتمع وخلق مشاكل أسرية تنتهي في المحاكم.