كل مواقف حركة نداء تونس الأخيرة توحي بأنه أصبح حزباً معارضاً، خصوصاً عندما يعتبر، في بيان رسمي، أن "الحكومة الحالية هي حكومة حركة النهضة، وعليه فإنه غير معني بدعمها سياسياً، وأن التوافق الذي تم العمل به بين رئيس الجمهورية (الباجي قائد السبسي) وحزب حركة نداء تونس من جهة وحركة النهضة من جهة أخرى، منذ انتخابات 2014، يعتبر منتهياً". ولا يفصل البيان بين "نداء تونس" والسبسي بأي شكل، بل يربط بينهما بشكل مباشر بخصوص إنهاء التوافق والتموضع في مقابل هذه الحكومة، حكومة "النهضة" ويوسف الشاهد وفق الأدبيات المستجدة لحزب رئيس الجمهورية. ويؤكد البيان إياه أن "النداء" غير معني بدعم الحكومة سياسياً، ما يعني أنه والرئيس تحولا إلى المعارضة فعلياً. غير أن ما لم يقله بيان "النداء" والسبسي هو ما مصير وزراء النداء في الحكومة وهل سيدعوهم الرئيس إلى الاستقالة؟ وإن فعل فهل سيستجيبون أم سيكون موقفهم تماماً كموقف وزراء "آفاق تونس" الذين أختاروا البقاء في الحكومة والابتعاد عن الحزب؟
وتعتبر هذه الكلمات رسالة مباشرة إلى "النهضة"، وتحذيراً واضحاً من الرئيس الفرنسي، الذي سبق له، في فبراير/شباط الماضي، التأكيد على عدم التعارض بين الإسلام والديمقراطية والتنويه بالتجربة التونسية التي قامت على التوافق، ما دفع المتحدث باسم حركة النهضة وقتها، عماد الخميري، إلى التصريح بأن "الحركة تعتبر خطاب الرئيس الفرنسي أكثر من إيجابي، لأنه ثمن فيه التجربة التونسية والانتقال الديمقراطي وتجربة التوافق والدستور، وما اعتبره نجاح الاستثناء التونسي في العالم العربي والإسلامي المتعلق بعلاقة الإسلام والديمقراطية". وأضاف الخميري، في تصريح إذاعي في حينها، أن "تونس في حاجة إلى مثل هذا الدعم والتثمين، خصوصاً بعد محاولة بعض وسائل التواصل الخارجية تشويه صورة تونس". لكن ماكرون يؤكد للجميع أن مخاطبه الأول في تونس يبقى السبسي، وأنه معياره الأساسي في تقييم بقية حلفائه، ما يمكن أن يثير قلقاً لدى "النهضة"، الحساسة جداً للتقييمات الإقليمية والدولية، والتي يبدو أن الضغوط انهالت عليها مرة واحدة، من الداخل والخارج، خصوصاً بعد عودة الاتهامات الأمنية، التي أثارتها "الجبهة الشعبية" حول "النهضة"، في قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ودعوات أحزاب أخرى كثيرة، بينها "النداء"، لأخذ هذه الاتهامات محمل الجد والتحقيق فيها.
ويبدو المشهد مستعيداً لوقائع سنة 2013، غير أن متغيرات كثيرة طرأت منذ ذلك الوقت، فحركة "النهضة" حاولت إقناع المجتمع الدولي بأنها فصلت بين الدعوي والسياسي، ولقيت تجاوباً من بعض الدوائر الدولية، بالإضافة إلى أن تحالفها مع العلمانيين لم ينفرط وإنما تغير عنوانه فقط، وسيكون على دوائر القرار الدولي أن تحدد ما بين السبسي والشاهد، وأن توضح رهانها على أحدهما. ويبدو الموقف الفرنسي مضطرباً في هذا الخصوص، فقد سبق للسفير الفرنسي في تونس، أوليفيي بوافر دارفور، إثر اجتماع الشاهد بسفراء مجموعة الدول السبع الكبار المعتمدين في تونس وسفير الاتحاد الأوروبي، باتريس برغاميني، أن أشاد بالمؤشرات الإيجابية المسجّلة على الصعيد الاقتصادي، مؤكّداً أنّها مطمئنة، ومحفّزة على عودة النمو والاستثمار. وقال دارفور "ثقتنا بالغة في هذه الحكومة لقيادة وإنجاح مجمل الإصلاحات التي وضعتها، بما يجعل من تونس نموذجاً مثالياً يحتذى في المنطقة، وفرنسا ستبقى داعماً دائماً لتونس".