20 اغسطس 2017
"هدية" أوباما إلى السودان
نزل قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، الذي سيتم بموجبه رفع العقوبات جزئياً على السودان، برداً وسلاماً على الحكومة السودانية، فقد جاء في وقت عصيب بعد أن يئست الحكومة، وأُحبطت بعد أن جدّد أوباما العقوبات لعام جديد يبدأ من مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
يأتي إعلان رفع العقوبات الأميركية ليصرف النظر، ويطغى على حدثين سلبيين سيطرا على تناول وكالات الأنباء ووسائل الإعلام للشأن السوداني في الأيام الماضية. يتعلق الأول بفضيحة أحد موظفي بعثة السودان في نيوروك اتهم بالتحرش بمواطنة أميركية، فيما يرتبط الحدث الآخر بصحة الرئيس عمر البشير الذي ذكرت الأنباء أنه خضع لقسطرة استكشافية في أحد مشافي الخرطوم قبل أيام.
الأمر المشروط الذي أصدره أوباما في آخر أسبوع له قبل تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يمكن وصفه بالهدية، وطوق النجاة للنظام السوداني، إذ انحدرت الأوضاع الاقتصادية إلى درجةٍ عاليةٍ من السوء، وصل معها سعر الدولار إلى ما يقارب 20 جنيهاً سودانياً، وفشلت جميع الخطط الرامية إلى استقطاب ودائع المغتربين، بعد أن حاول البنك المركزي تعديل قيمة الصرف إلى سعر أقرب إلى سعر السوق السوداء. إضافة إلى عجز الحكومة عن سداد التزمات دولية، أدى هذا العجز إلى تعطّل مشروعاتٍ، منها مشروع المطار الجديد الذي كان يفترض أن تموّله الصين بجانب توّقف مشروعات سدود وكهرباء.
إذا أردنا أن نحلّل أسباب صدور القرار الذي فاجأ حكومة البشير نفسها، فإنّ التنازلات التي قدّمتها الحكومة والتعاون مع المخابرات الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر يتصدّران أبرز التفسيرات التي جعلت أوباما يصدر القرار، أخيراً، قبيل مغادرته البيت البيضاوي. سودانياً يُنسب هذا التعاون بالدرجة الأولى إلى مدير جهاز المخابرات السابق صلاح قوش الذي يعتبره مراقبون "جنرال مكافحة الإرهاب" في السودان، وهو الذي قاد بداية المفاوضات مع الجانب الأميركي عندما أرسلت إليه طائرة خاصة أقلته من مطار الخرطوم إلى واشنطن. ليتواصل بعده التعاون بين الجانبين في تبادل المعلومات للحدّ من الأنشطة الإرهابية في المنطقة.
لا يمكن إنكار الدور الذي بذلته الدبلوماسية السودانية في تحقيق الإنجاز، المتمثل في إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، ومنها حظر المعاملات الحكومية والاستثمار الأميركي في السودان، وفك تجميد الأرصدة، ليس فوراً وإنما بعد ستة أشهر بشرط التزم نظام البشير في ما يتصل بمكافحة الإرهاب، والحدّ من دعم المتمردين في دولة جنوب السودان، فضلاً عن إشاعة الحريات ومراعاة قضايا حقوق الإنسان.
لم يشمل القرار الأميركي، وإن كان مؤقتاً وجزئياً، رفع الحظر عن تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، إلا إنّه يمنح الحكومة فرصةً لا تعوّض مدتها ستة أشهر من أجل تغيير الأوضاع، والعمل على تحسين صورتها التي ارتبطت في الأذهان بالقمع والتنكيل وارتكاب جرائم حرب، إضافة إلى الفساد المستشري والتصريحات غير الموفقة للمسؤولين، والتي كانت تهاجم أميركا وتتوعدها بالويل والثبور!
لذلك، يجب أن تلتقط حكومة الخرطوم القفاز، وتعلن عن إصلاحات سياسية واقتصادية بصورة عاجلة، تتضمن إطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً من دون قيد أو شرط، يتزامن ذلك مع زيادة هامش الحرية ووقف مصادرة الصحف والرقابة القبلية التي تتعرّض إليها، مع فتح المجال أمام القوى السياسية لإقامة أنشطتها وندواتها من دون أن يتطلب الأمر استصدار إذن من الجهات الأمنية، كما هو متبع حالياً. وفوق ذلك، يجب ضبط الخطاب الحكومي وتصريحات المسؤولين التي كثيراً ما تحرج الدبلوماسيين الذين يسعون، بإخلاص، إلى إصلاح علاقات السودان بالدول والمنظمات العالمية.
يتعين أيضاً أن تبادر الدولة إلى تشكيل حكومة طوارئ رشيقة، بدلاً عن المترهلة الموجودة حالياً، والتي ربما يزيد عدد أعضائها لاستيعاب القوى السياسية التي شاركت في "الحوار الوطني" الذي اتضح أنه لم يلبِ تطلعات الشعب السوداني المتمثلة في تعديل القوانين المقيّدة للحريات، وإصلاح أجهزة الدولة، فضلاً عن تحقيق السلام والاستقرار. كما أنّ هناك حاجة إلى تغيير الطاقم الذي يدير القطاع الاقتصادي، إذ ثبت فشله وعدم مقدرته على معالجة الأوضاع.
ظلّت الحكومة السودانية ترمي فشلها وإخفاقاتها على العقوبات الأميركية في كل الخطابات التي يلقيها المسؤولون "بمن فيهم الرئيس البشير"، ها قد منحتم فرصة لرفع العقوبات فأرونا ماذا أنتم فاعلون في الـ 200 مليون فدان الصالحة للزراعة، وفي المؤسسات التي دُمرت، مثل الخطوط الجوية السودانية "سودانير"، ومشروع الجزيرة، إلى جانب سكك حديد السودان، ومشروعات التعدين الضخمة وغيرها.. فلننتظر ونر النتائج!
يأتي إعلان رفع العقوبات الأميركية ليصرف النظر، ويطغى على حدثين سلبيين سيطرا على تناول وكالات الأنباء ووسائل الإعلام للشأن السوداني في الأيام الماضية. يتعلق الأول بفضيحة أحد موظفي بعثة السودان في نيوروك اتهم بالتحرش بمواطنة أميركية، فيما يرتبط الحدث الآخر بصحة الرئيس عمر البشير الذي ذكرت الأنباء أنه خضع لقسطرة استكشافية في أحد مشافي الخرطوم قبل أيام.
الأمر المشروط الذي أصدره أوباما في آخر أسبوع له قبل تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يمكن وصفه بالهدية، وطوق النجاة للنظام السوداني، إذ انحدرت الأوضاع الاقتصادية إلى درجةٍ عاليةٍ من السوء، وصل معها سعر الدولار إلى ما يقارب 20 جنيهاً سودانياً، وفشلت جميع الخطط الرامية إلى استقطاب ودائع المغتربين، بعد أن حاول البنك المركزي تعديل قيمة الصرف إلى سعر أقرب إلى سعر السوق السوداء. إضافة إلى عجز الحكومة عن سداد التزمات دولية، أدى هذا العجز إلى تعطّل مشروعاتٍ، منها مشروع المطار الجديد الذي كان يفترض أن تموّله الصين بجانب توّقف مشروعات سدود وكهرباء.
إذا أردنا أن نحلّل أسباب صدور القرار الذي فاجأ حكومة البشير نفسها، فإنّ التنازلات التي قدّمتها الحكومة والتعاون مع المخابرات الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر يتصدّران أبرز التفسيرات التي جعلت أوباما يصدر القرار، أخيراً، قبيل مغادرته البيت البيضاوي. سودانياً يُنسب هذا التعاون بالدرجة الأولى إلى مدير جهاز المخابرات السابق صلاح قوش الذي يعتبره مراقبون "جنرال مكافحة الإرهاب" في السودان، وهو الذي قاد بداية المفاوضات مع الجانب الأميركي عندما أرسلت إليه طائرة خاصة أقلته من مطار الخرطوم إلى واشنطن. ليتواصل بعده التعاون بين الجانبين في تبادل المعلومات للحدّ من الأنشطة الإرهابية في المنطقة.
لا يمكن إنكار الدور الذي بذلته الدبلوماسية السودانية في تحقيق الإنجاز، المتمثل في إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، ومنها حظر المعاملات الحكومية والاستثمار الأميركي في السودان، وفك تجميد الأرصدة، ليس فوراً وإنما بعد ستة أشهر بشرط التزم نظام البشير في ما يتصل بمكافحة الإرهاب، والحدّ من دعم المتمردين في دولة جنوب السودان، فضلاً عن إشاعة الحريات ومراعاة قضايا حقوق الإنسان.
لم يشمل القرار الأميركي، وإن كان مؤقتاً وجزئياً، رفع الحظر عن تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، إلا إنّه يمنح الحكومة فرصةً لا تعوّض مدتها ستة أشهر من أجل تغيير الأوضاع، والعمل على تحسين صورتها التي ارتبطت في الأذهان بالقمع والتنكيل وارتكاب جرائم حرب، إضافة إلى الفساد المستشري والتصريحات غير الموفقة للمسؤولين، والتي كانت تهاجم أميركا وتتوعدها بالويل والثبور!
لذلك، يجب أن تلتقط حكومة الخرطوم القفاز، وتعلن عن إصلاحات سياسية واقتصادية بصورة عاجلة، تتضمن إطلاق سراح جميع المعتقلين فوراً من دون قيد أو شرط، يتزامن ذلك مع زيادة هامش الحرية ووقف مصادرة الصحف والرقابة القبلية التي تتعرّض إليها، مع فتح المجال أمام القوى السياسية لإقامة أنشطتها وندواتها من دون أن يتطلب الأمر استصدار إذن من الجهات الأمنية، كما هو متبع حالياً. وفوق ذلك، يجب ضبط الخطاب الحكومي وتصريحات المسؤولين التي كثيراً ما تحرج الدبلوماسيين الذين يسعون، بإخلاص، إلى إصلاح علاقات السودان بالدول والمنظمات العالمية.
يتعين أيضاً أن تبادر الدولة إلى تشكيل حكومة طوارئ رشيقة، بدلاً عن المترهلة الموجودة حالياً، والتي ربما يزيد عدد أعضائها لاستيعاب القوى السياسية التي شاركت في "الحوار الوطني" الذي اتضح أنه لم يلبِ تطلعات الشعب السوداني المتمثلة في تعديل القوانين المقيّدة للحريات، وإصلاح أجهزة الدولة، فضلاً عن تحقيق السلام والاستقرار. كما أنّ هناك حاجة إلى تغيير الطاقم الذي يدير القطاع الاقتصادي، إذ ثبت فشله وعدم مقدرته على معالجة الأوضاع.
ظلّت الحكومة السودانية ترمي فشلها وإخفاقاتها على العقوبات الأميركية في كل الخطابات التي يلقيها المسؤولون "بمن فيهم الرئيس البشير"، ها قد منحتم فرصة لرفع العقوبات فأرونا ماذا أنتم فاعلون في الـ 200 مليون فدان الصالحة للزراعة، وفي المؤسسات التي دُمرت، مثل الخطوط الجوية السودانية "سودانير"، ومشروع الجزيرة، إلى جانب سكك حديد السودان، ومشروعات التعدين الضخمة وغيرها.. فلننتظر ونر النتائج!
مقالات أخرى
19 يوليو 2017
22 مايو 2017
16 مايو 2017