"هنروح ونقول لمين عن ضباطنا سنة ستة وعشرين"
"لا خلاف في أن الحوادث التي تُعاب بها الشرطة في مصر راجعة بأسبابها إلى الجهل وسوء التربية، فالشاب يؤخذ من وراء المحراث في الريف أو من دكان الحلاقة في المدينة، ثم يصبح ذلك الفلاح أو الحلاق جندياً في الجيش ولا يتعلم في الجندية غير الحركات العسكرية والخشونة من غير أن تتهذب نفسه أو تصلح أخلاقه، ومستحيل أن يطالب بعد ذلك حين ينقل إلى البوليس بأن يكون رجلاً ذكياً أو فاضلاً على الأقل.
أما الضابط فإنه هو الذي يطالب بالذكاء والفضل، فإن لم يكن أهلاً لهما فإن عليه أن يترك خدمة الحكومة وأمامه متسع فسيح يكون به ضابطاً في شرطة أحد ملوك التمثيل في تياترو كشكش بك مثلاً ـ يشير إلى مسرح نجيب الريحاني الذي كان يقتصر وقتها على تقديم شخصية كشكش بك قبل أن يقوم بتطوير فنه المسرحي بعد ذلك ـ وهناك المسئولية مقتصرة على الحركات المضحكات، والفرد يحسن هذه الحركات، ولا ينبغي أن يكون الأفندي الطويل العريض أقل من القرد، لئلا ينقلب المذهب ويقال أن القرد أصله انسان ثم ارتقى؟
أليس كذلك؟ وهل من شأن الضباط أن تنشر الصحف اليومية أن ضابطاً في البوليس اسمه فلان قد نُشلت محفظة نقوده، وفيها كذا جنيهات وهو يحافظ على النظام في خدمة الأمير ابن سعود؟ هل هذا الخبر مما يحسُن إسناده إلى "واحد أفندي معتبر" بشريط أحمر أو بدبابير على كتفيه ومهاميز في رجليه؟ الأمر لا يخلو من احدى خصلتين، فليختر هذا الضابط إحداهما، فإنه إما أن يكون قد نشلت محفظته حقيقة في الزحام فهو غير أهل لأن يكون من ضباط البوليس، وكان عليه أن يكون عسكرياً صغيراً بشريط لمبة ولا نقول شاويشاً بثلاثة أشرطة، وإما أن يكون قد أشاع عن نفسه هذا الخبر لينفحه الأمير مما يعوض عليه ما ضاع في خدمته أُثناء الزحام.
والثانية شر من الأولى، فإن الضابط لا بد من أن يكون أكبر من ذلك بكثير، وكان الأصون لسمعته أن يكتم خبر محفظته، إن كانت قد نُشلت حقيقة لأن نشر هذا الخبر فضيحة فيها رائحة الاستجداء من الأمير، والله يعلم ماذا تقول العرب عنا إذا انتشرت هذه الحكاية في الحجاز".
أو كما قال الشاعر: هنروح ونقول لمين؟
...
لماذا لم يطبق عسكر يوليو حد السرقة على الإخوان؟
ليس سهلاً أن تتميز عن غيرك من الصحف والمجلات، حين تكون الصحافة مؤممة ومراقبة وتحت السيطرة الأمنية الكاملة، وحين يتسابق جميع الكتاب والصحفيين في خدمة توجهات النظام الحاكم ومسئوليه.
ستدرك ذلك حين تقرأ تغطيات الصحف والمجلات المصرية لمحاكمة قيادات وأعضاء التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين الذين تم القبض عليهم عام 1965، في قضية اشتهرت إعلامياً باسم (قضية التنظيم السري لجماعة الإخوان) وأحياناً باسم (قضية سيد قطب) نسبة لأشهر متهميها.
بالطبع تابعت جميع الصحف والمجلات وقائع التحقيق وجلسات المحاكمة بشكل متطابق، دون أن يسمح لأي من الصحف والمجلات بتقديم زوايا جديدة للتغطية، ومع ذلك فقد قام الكاتب أحمد لطفي حسونة في تغطيته الإخبارية للمحاكمة التي نشرتها صحيفة (أخبار اليوم) في عددها الصادر بتاريخ 23 إبريل 1966، بتقديم "افتكاسة" جديدة، حين طالب بتطبيق حد السرقة على ثمانية من المتهمين في القضية مطالباً بقطع أيديهم، لأنهم "سرقوا مال الشعب لينسفوا به مرافق الشعب".
ولكي لا يتهم أحد الكاتب بالمزايدة على نيابة أمن الدولة العليا أو يُفهم من كلامه اتهامها بالتقصير، اختار لطفي حسونة ألطف وأحسن العبارات للتأكيد على تقديره الكامل للتحقيقات، التي وصفها بالدقيقة والرائعة بعد أن قرأ أوراق القضية البالغة 3200 صفحة، ومع ذلك أضاف أنه كان يتمنى أن توجه النيابة للمتهمين تهمة السرقة التي توجب عقوبة قطع اليد طبقاً للشريعة الإسلامية، حيث قام أحدهم وهو محمد أحمد عبد الرحمن مهندس مناجم بالهيئة العامة لتصنيع مشروع الفحم، بالاستيلاء على 22 كبسولة تفجير من موقع عمله، أما المتهم صلاح محمد محمد خليفة المعيد بقسم الطبيعة النووية بمؤسسة الطاقة النووية، فقد استولى على مادة نترات النشادر من عهدته بالمؤسسة وسلمها إلى المتهم مبارك عبد العظيم، ثم قام بخلط مادة كلورات البوتاسيوم والفحم في معمله ليحصل على مواد ناسفة لتخريب محطات الكهرباء والكباري والسنترالات، كما اعترف المتهم مرسي مصطفى مرسي الباحث المساعد بالمركز القومي للبحوث باختلاس زجاجة بها كيلو جرام من نترات الأمونيوم، كما اختلس مرة أخرى كيلو جرام من نفس المادة ونصف كيلو من مادة كرومات البوتاسيوم.
من بين الذين طالب لطفي حسونة بضرورة قطع أيديهم أيضاً المتهم حلمي حتحوت المعيد بكلية هندسة الإسكندرية، وشقيقه علي حتحوت، حيث حصل هاني من شقيقه على كمية من الكيماويات أودعها في مخزن الأسلحة الخاص بالتنظيم السري بميامي بالإسكندرية، وقد استولى شقيقه على هذه المادة من كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية التي يعمل بها، كما حصل حلمي حتحوت على رسوم هندسية من كلية الهندسة لكباري الجمهورية المقرر نسفها. هناك أيضاً المتهم إبراهيم إبراهيم العزب النقيب بسلاح المشاة، والذي سلّم إلى المتهم أحمد محمد سلام قنابل يدوية ومتفجرات وطلقات رصاص، وضُبطت لديه حقيبة بها 379 طلقة مسدس، كلها في الأصل من عهدته الرسمية، وكان مقصوداً بها تنفيذ خطة اغتيالات أعدها الجهاز السري لقتل بعض المسئولين ورجال الفن وبعض الصحفيين.
وللتأكيد على وجهة نظره ينقل الكاتب أحمد لطفي حسونة من أوراق القضية بعض اعترافات متهميها، ومن بينهم مرسي مصطفى مرسي الذي قال في اعترافاته ما يلي: " أنا جبت 3 كيلو نترات أومنيوم ونصف كيلو كرومات بوتاسيوم اختلستها من المركز القومي للبحوث بالدقي في المعمل بتاع المركز وكانت في زجاجة من بتوع المعهد ووديتها إلى علي عشماوي (المسئول عن التسليح في الجهاز) وهو طلب مني كمية أكبر لأنه قال ان احنا عايزين حوالي خمسة كيلو نترات أومنيوم فقلت أحاول أسرق لك من المعمل، وتاني يوم رحت المركز القومي للبحوث أخذت زجاجة بها نصف كيلو كرومات بوتاسيوم ونصف كيلو أمنيوم وحطيتهم في الشنة بتاعتي وطلعت. وفي يوم رحت المركز القومي ما وجدتش نترات أمنيوم فطلعت على معهد الصحراء وجبت من واحد زميلي اسمه محمود القاضي نصف كيلو". وحين سألته النيابة: "كيف أبحت لنفسك اختلاس مواد وضعهتها الدولة في خدمة التقدم العلمي وجعلتك أمينا عليها كباحث تعمل على بناء أملاك بينما اختلستها لاستخدامها في أغراض الهدم والتدمير"، أجاب المتهم قائلاً: "أنا اختلستها لصالح أمّتي لأنني أعتقد أني بمحافظتي على التنظيم أدافع عن مجتمع أفضل من المجتمع الجاهلي"، مضيفاً في إجابته على سؤال آخر: "أنا أعتبر أنني أخذتها واستخدمتها في غرض أسمى من التقدم العلمي وهو التقدم الإنساني في إيجاد المجتمع المسلم".
لم تستجب الدولة بالطبع لنداء لطفي حسونة بقطع أيدي المتهمين الثمانية، لكنها أيضاً لم تعدمهم، مثل ما أعدمت في التاسع والعشرين من أغسطس عام 1966 زملاءهم في القضية الأكبر سناً الكاتب سيد قطب ـ 60 سنة ـ ومراجع الصرف بالجمعيات التعاونية للبترول محمد يوسف هواش ـ 43 سنة ـ والقبّاني عبد الفتاح إسماعيل ـ 41 سنة ـ، وفي حين تم تخفيف أحكام أربعة من الذين حصلوا على أحكام بالإعدام هم علي عشماوي كاتب الحسابات ـ 28 سنة ـ الذي لعبت اعترافاته على زملائه دوراً مهماً في تستيف القضية، وأحمد عبد المجيد الموظف بوزارة الحربية وصبري عرفة الكومي مدرس العلوم ومجدي عبد العزيز مدير الإنتاج بشركة النصر لصناعة الأفلام، فقد حصل أغلب المتهمين الذين طالب لطفي حسونة بقطع أيديهم على أحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة، وكان من هؤلاء: صلاح خليفة ـ عمره 26 سنة ـ فايز يوسف ـ عمره 21 سنة ـ مبارك عبد العظيم ـ 30 سنة ـ محمد أحمد عبد الرحمن ـ 24 سنة ـ مرسي مصطفى مرسي ـ 23 سنة ـ حلمي محمد صادق حتحوت ـ 23 سنة، بينما تنوعت الأحكام التي تلقاها زملائهم في القضية، والذين كان من بينهم مرشد الإخوان الحالي الدكتور محمد بديع الذي كان وقتها معيداً بكلية الطب البيطري وكان لديه 21 سنة، وقد حصل على حكم بالأشغال الشاقة 15 سنة، وأيضاً نائب المرشد الحالي محمود عزت إبراهيم الذي كان وقتها طالباً بجامعة عين شمس وكان لديه وقتها 21 سنة، وقد حصل على حكم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، وقد كانت القضية واحدة من بين أربع قضايا أحيل فيها عشرات من قادة وأعضاء جماعة الإخوان للمحاكمة، ليحصلوا على أحكام تراوحت بين الإعدام والمؤبد والأشغال الشاقة لسنوات، في حين لم يحصل على البراءة سوى 14 متهماً فقط.
وبعد مرور كل هذه السنوات لا زال من يعتقد أن أحكام الإعدام ناجعة في القضاء على التطرف إلى الأبد، متناسياً كم التأثير الذي أحدثته أفكار سيد قطب لدى من تعاملوا معه كشهيد بعد إعدامه، ولا زال هناك أيضاً من يعتقد أن العنف والعمل المسلح سيجدي في إيصاله إلى السلطة لتغيير "المجتمع الجاهلي" بالقوة، ولا زال من يعتقد أن قدر مصر موزع بين خيارين لا ثالث لهما: العسكر والإسلاميين، ولا زال من يرفض الاستسلام لهذين الاختيارين المريرين ويناضل من أجل طريق ثالث بعيد عنهما، ولا زال من يعتقد أن هناك أفكاراً ذات قداسة دينية أو وطنية يمكن أن يتم فرضها على المجتمع بالقوة، ولا زال من يستثمر جرائم الإرهابيين لتثبيت أقدامه في السلطة واستثمار الخوف في تأمين مصالحه، ولا زال النيل يجري.
...
الفقرة الإعلانية
في أعدادها الصادرة خلال عام 1925 نشرت مجلة (المصور) إعلانات للعديد من شركات الملابس، التي اختلفت طريقتها في الإعلان بحسب طبيعة الجمهور الذي توجهت إليه إعلاناتها، وإليك نماذج من هذه الإعلانات:
ولأن الرهان على راكبي الترام لا يكفي وحده لترويج جميع منتجات الشيتي فقد قرر استهداف الأطفال الذين يتعرضون لهجمات الكلاب بهذا الإعلان:
إعلان آخر يحدد هدفه جيداً بدءاً من الرسم الذي يستخدمه ووصولاً إلى الإسهاب في التفاصيل التي تمدح مميزات ما يبيعه من قماش:
وهذا إعلان آخر يحدد هدفه من الرسم المصاحب له مخاطباً الباحثين عن "آخر مودة"
كان للمرأة نصيب في إعلانات الأزياء، مثل هذا الإعلان التحريري الذي يفترض أن يستلفت أنظار المتأنقات:
ومن أجل مواجهة الشتاء يحذر هذا الإعلان من الفراء المقلد ويدعو لاستخدام فروة بلوندل:
وكل شتاء وأنتم بخير.
...
وختاماً مع الفنان الكبير حجازي: