يحتفظ تاريخ اليمن المعاصر بخصوصية تتعلّق بتمتع أجزاء منه باستقلال عن العثمانيين قامت عليها المملكة المتوكلية التي فرضت عزلة تامة عن جواره، قبل أن ينقلب الجيش وتدخل شمالي البلاد في حرب بين الجمهوريين الذين حظوا بدعم مصري والملكيين المدعومين سعودياً انتهت عام 1970.
بالتزامن، سيطر الاستعمار البريطاني على جنوب البلاد فقط الذي استقل عام 1969 تحت حكم اشتراكي، وبعد صراعات طويلة بين شماله وجنوبه توحّد الشطران في تسوية عقد عام 1990، ثم اندلعت حرب أهلية بين طرفي التسوية، وانتهت بانتصار الشمال، قبل ان تنطلق الاحتجاجات عام 2011 التي انتهت باقتتال داخلي حتى اليوم.
صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "هوية السلطة في اليمن: جدل السياسة والتاريخ"، ويتناول فيه مؤلفه، أحمد علي الأحصب، السلطة بصفتها محوراً رئيساً تدور حوله الصراعات السياسية والاجتماعية في اليمن، الظاهرة منها أو الخفية.
وبما أن إثارة سؤال هوية السلطة ليست مسألة جديدة على اليمن، فإن هذا الكتاب يعرّف بتوزيع السلطة بين الهويات المحلية المختلفة في هذا البلد، وما إذا كان ثمة هوية معيَّنة تستأثر بهذه السلطة، وفقاً لما تقول الدعاوى التي يرفعها الجدل الهوياتي الناشط حول هوية السلطة. كما يهدف الكتاب إلى تفسير هذا الجدل؛ بالتعرف إلى سياقاته، واستكشاف أسبابه ومحركاته وأهدافه، وصولًا إلى استشراف مستقبله وآفاق تقاسم السلطة في اليمن.
في الفصل الأول "الاستئثار بالسلطة في اليمن: دعاوى الحاضر و’حقائق‘ التاريخ"، يتناول الأحصب حدود جدل هوية السلطة في اليمن ومضامينه، ومنظوراً عبر-تاريخي لمسألة الاستئثار بالسلطة في اليمن، متحدثاً عن طبائع السلطة في التاريخ.
يتوصل الأحصب في الفصل الثاني، "التوزيع الهوياتي للسلطة في اليمن"، إلى ما يأتي: على المستوى الجهوي، تم تداول السلطة بين الأقاليم المختلفة، وعلى الرغم من أن هذا التداول لم يكن بنسب متساوية؛ إذ ترجح نصيب إقليم شمال الشمال، فإن السلطة لم تكن محتكرة تماماً من أي منطقة أو إقليم، فليس منها ما تجاوز نصيبه من السلطة، سواء من الدول أو من فترة الحكم، نسبة 50% المئة. وعلى المستوى العرقي والعشائري، تنَقَّلت السلطة بين مختلف الانتماءات، وإن لم يكن ذلك بصورة متساوية فإنه ما من طرف واحد استحوذ عليها، وهذا ينقض أي تصور حول سيطرة نسب أو هوية بعينها على السلطة، كما ينقض التصور الشائع بين اليمنيين والدعوى المركزية في جدلهم حول هوية السلطة التي تتهم الأئمة الهاشميين بالسيطرة على السلطة في البلاد أكثر من ألف عام. وعلى المستوى المذهبي، كان نصيب السُّنَّة من السلطة، سواء من حيث عدد الدول أو من حيث فترة الحكم، يفوق بفارق كبير نصيب الشيعة بفرعيهم الزيدي والإسماعيلي. وهذا يناقض التصورات السائدة والدعاوى القائلة بسيطرة الزيود على السلطة في اليمن أكثر من ألف عام.
في الفصل الثالث "التدافع السياسي للهويات المحلية: التمظهرات والاشتغالات"، يرى الأحصب أن السياسة والجغرافيا فشلتا في إقامة علاقة طبيعية بينهما، بل جمعتهما علاقة مضطربة عبر العصور، وما زالت علاقة الأفراد والمجتمع بالسياسة والدولة في اليمن علاقة مكانية، حيث يُعبّر عن المواقف والتطلعات والمصالح بلغة جهوية فاقعة، وليس الجدل حول السلطة وهويتها إلا أحد تجليات هذه الظاهرة، فهو تعبير عن مواقف وتطلعات ومصالح جهوية، بل إن الجغرافيا هي المحور الذي يدور حوله، حتى يبدو أن مضامينه العشائرية والمذهبية ليست إلا تفريعات للمضمون الجهوي وفي خدمته.
يبحث الفصل الرابع "الجدل الهوياتي للسلطة (وحولها) في السياق اليمني: المحركات والوظائف والآفاق"، في السياقات والمحركات للجدل الهوياتي للسلطة في اليمن، مثل ديمومة الصراع السياسي، وشح الموارد الطبيعية، وضعف الدولة، وتحيز السلطة الحاكمة وفسادها، وجدل المركز والأطراف.