حذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من تدهور إضافي للأوضاع الإنسانية في اليمن، ومن عواقب قاتلة إذا استمرت الأطراف المتنازعة في عرقلة تقديم المساعدات الإنسانية فيه، وخاصة في ظل انتشار فيروس كورونا.
وجاء ذلك في تقرير صدر في 65 صفحة أطلقته المنظمة، الإثنين، خلال مؤتمر صحافي، عقد عن بعد، في نيويورك.
كما ناشدت المنظمة الأمم المتحدة إدراج المسؤولين عن إعاقة وصول المساعدات، سواء أكانوا في الحكومة اليمنية أم من الحوثيين، في قائمة العقوبات الدولية التابعة لمجلس الأمن الدولي، واستمرار التحقيق في الموضوع.
As Covid-19 spreads in #Yemen, Houthi & Yemeni government officials continue to obstruct aid agencies trying to reach millions in need of life-saving aid.
— Human Rights Watch (@hrw) September 14, 2020
New @HRW report https://t.co/V1qg6IPf9u pic.twitter.com/ttBK8hW7a4
وأوصى التقرير الأمم المتحدة بـ"الضغط على جميع الأطراف في اليمن لرفع مجموعة واسعة من العقبات التي تعيق هيئات الإغاثة من الوصول السريع إلى الأشخاص المحتاجين إليها أو تمنعها".
كما أوصى بتحديد كبار مسؤولي الحكومة اليمنية والحوثيين، المسؤولين عن عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية، وفرض عقوبات تقضي بتجميد أصولهم وحظر سفرهم بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2140 (2014).
ويطالب التقرير بأن تقوم "لجنة عقوبات اليمن التابعة لمجلس الأمن بتكليف فريق الخبراء المعني باليمن، بإجراء مراجعة مستقلة لاستجابة المجتمع الإنساني لعرقلة وصول المساعدات في شماليّ اليمن وجنوبيّه منذ 2015".
ويشير التقرير إلى عدد من العوائق الهائلة في وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين، من بينها التدخل المنهجي في عمليات الإغاثة من قبل المسؤولين الحوثيين والحكومة اليمنية والقوات التابعة لها، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات. كما يلفت الانتباه في هذا السياق إلى عامل آخر، وهو خفض المانحين للتمويل، على الرغم من زيادة الاحتياجات.
وتحدث جيري سيمبسون، المدير المساعد لقسم الأزمات والنزاعات في المنظمة وكاتب التقرير، لـ"العربي الجديد" في نيويورك، عن الأسباب التي تعود وراء هذا الخفض، وما إذا كانت هناك أسباب سياسية وراءه، ولا سيما أنّ الدول التي خفضت التمويل هي نفسها دول مشتركة في النزاع كالإمارات والسعودية.
وقال: "أعتقد أن ذلك يرجع جزئياً إلى العراقيل التي يفرضها أطراف النزاع. قد تكون هناك أسبابٌ سياسية، ولكن من جهتنا نحن كمنظمة لا يمكننا التنبؤ بتلك الأسباب، كل ما يمكن قوله إن هذه العرقلة حقيقية، مما دعا الأمم المتحدة للحديث عن الموضوع وبشكل علني، وهو ما تشعر به على ما يبدو كذلك الدول المانحة. ولكن قد تكون هناك أسباب أخرى إضافية، من بينها تحديات مالية تواجهها تلك الدول، وخاصة العربية بسبب انخفاض أسعار النفط".
ويشير التقرير إلى أنّ وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة لم تحصل حتى الآن، إلا على 24% فقط من الميزانية التي تحتاجها، لهذا العام وهي 3.4 مليارات دولار.
ناشدت المنظمة الأمم المتحدة إدراج المسؤولين عن إعاقة وصول المساعدات، في قائمة العقوبات الدولية
كما يلفت التقرير الانتباه إلى أنّ أزمة الوقود الجديدة، أدت إلى تقليص حصول اليمنيين على الغذاء، والرعاية في المستشفيات، والمياه.
وكانت الأزمة قد اندلعت، في يونيو/ حزيران، بسبب الخلافات بين الحوثيين والحكومة اليمنية، حول كيفية تنظيم الضرائب المفروضة على الوقود المستورد، الذي تعتمد عليه المستشفيات ومضخات المياه.
وحول الدعم من الدول الغربية واستمرار بيعها للأسلحة للتحالف بقيادة السعودية، قال سيمبسون: "على الرغم من تقديم دول غربية للمساعدات الإنسانية؛ إلا أن هذه الدول؛ الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا، ودولاً أخرى، مستمرة في بيع أسلحة للتحالف بقيادة السعودية، ما فاقم الأزمة الإنسانية في اليمن. إن استمرار بيع الأسلحة للتحالف يجعل تلك الدول مشتركة في مسؤوليتها عن جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف في اليمن، والمتعلقة باستهداف المستشفيات والمرافق الصحية وغيرها من البنية التحتية المدنية".
ويؤكد سيمبسون استمرار الأمم المتحدة وشركائها من منظمات الإغاثة غير الحكومية في تقديم المساعدات لملايين اليمنيين، على الرغم من العراقيل التي تفرضها السلطات المختلفة.
ومن ضمن تلك العراقيل "مئات التعليمات التي تقيّد عملهم بشدة، والتأخير المطول في الموافقة على مشروعات المساعدات، وعرقلة تقييم المساعدات لتحديد احتياجات الناس، ومحاولات السيطرة على مراقبة المساعدات، والإملاء أو التدخل في قوائم المستفيدين لتحويل وجهة المساعدات إلى الموالين للسلطة، والعنف ضد موظفي الإغاثة وممتلكاتهم"، وفق التقرير.
وأشارت أفراح ناصر، وهي من ضمن الباحثين العاملين في المنظمة والمختصين في الشأن اليمني والشرق الأوسط، إلى أنّ "التحديات التي يواجهها العاملون في مجال الإغاثة كبيرة، وتعود أهمية هذا التقرير كذلك إلى أنه يسلط الضوء على الدور الذي تلعبه تلك القيود المفروضة من جميع الأطراف على وصول المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين المحتاجين إليها، وخاصة في ظل انتشار كورونا".
وتحذر من أنّ "الوضع الإنساني، المأساوي أصلاً، يزداد سوءاً في ظل انتشار فيروس كورونا ويضعف استجابة المنظمات الإنسانية. ويشهد اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث إن قرابة 80% من اليمنيين أي قرابة 24 مليون يمني، يحتاجون إلى نوع من أنواع المساعدات الإنسانية".
على الرغم من تقديم دول غربية للمساعدات الإنسانية؛ إلا أن هذه الدول مستمرة في بيع أسلحة للتحالف بقيادة السعودية
ويدعو التقرير الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيقٍ مستقل حول تلك العراقيل وأوجه القصور في الاستجابة. ويلفت الانتباه إلى أمر آخر ورد في التقرير يتعلق كذلك بشكوى من عاملين في مجال الإغاثة الإنسانية في اليمن، حيث أجرت المنظمة مقابلات مع قرابة 55 شخصاً في اليمن يعملون في المجال الصحي، وكذلك عاملين في مجال الإغاثة مع الأمم المتحدة ومع منظمات غير حكومية دولية وممثلين عن المانحين، وبحسب تقرير المنظمة، فإن تعامل الأمم المتحدة مع العوائق، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كان فيه قصور، وقد يكون أدى إلى تفاقم المشكلة.
ويشير التقرير إلى أنّ المشكلة تتعلق "بتركيز جهود الدعوة على المسؤولين الخطأ، وتدخّل المسؤولين السياسيين في الأمم المتحدة فيما كان ينبغي أن تكون هناك مفاوضات إنسانية فقط، والإذعان لسلسلة من المطالب التي شجعت السلطات على السعي إلى مزيد من السيطرة على عمليات الإغاثة، وعدم تبني نهج موحد لهيئات الإغاثة للتغلب على العقبات، وبدلاً من ذلك، تركت المنظمات تواجه مشكلاتها بشكل منفرد".
كما يلفت إلى "الافتقار إلى التحليل الاستراتيجي وتوجيه مبالغ طائلة من الأموال إلى وزارات فاسدة بشكل واضح دون شروط كافية، وعدم التحقيق والإبلاغ بشفافية بشأن تواطؤ مزعوم من وكالات الأمم المتحدة بتحويل مسار المساعدات، بما في ذلك المبادرة إلى الإبلاغ عن تحويل رواتب الأمم المتحدة وحوافزها إلى المسؤولين اليمنيين".
ورداً على أسئلة إضافية لمراسلة "العربي الجديد" في نيويورك حول الموضوع، قال سيمبسون: "علينا أولاً أن نلفت الانتباه إلى أنّ الأمم المتحدة لم تنشر تقريراً مفصلاً عن إعاقة تقديم المساعدات في اليمن. لقد أشاروا إلى الأمر بعدد من الإحاطات، وفي بداية يونيو/ حزيران بدأت الأمم المتحدة بنشر خرائط مع نسب حول مناطق بعينها في اليمن، تتعلق بإعاقة تقديم المساعدات، وهذا تطور نرحب به، ولكنه جاء كجزء من ردّ على طلب من الدول المانحة... ودون شك هناك بعض التحسن لكن أغلبه على الورق، ونريد تفصيلاً أكبر من الأمم المتحدة".
وأضاف: "لقد لمسنا إحباطاً شديداً لدى العاملين في المجال الإنساني في اليمن في هذا السياق، وعلى مجلس حقوق الإنسان كما لجنة العقوبات النظر إلى الأمر بتفصيل، وسؤال عاملين في المجال الإنساني حاليين وسابقين حول ذلك. إن ما شجعنا على وضع هذا في التقرير والتركيز عليه؛ هو طلب من العاملين في المجال الإنساني على الأرض بأن نلفت الانتباه للأمر".