"واجب مواطني" في انتخابات الجزائر

14 ديسمبر 2019
أدلى بصوته على أمل التغيير (فاروق باطيش/ الأناضول)
+ الخط -

بين المواطن الجزائري والانتخابات علاقة تعود لسنوات. وهي عبارة عن واجب نضالي لصالح حزب أو مجموعة سياسية أو السعي لتحقيق مصالح بسيطة من خلال التصويت لطرف ما في البلاد. لكن الانتخابات الرئاسية الحالية دفعت الجزائريين إلى المشاركة بدافع "الواجب المواطني".

خلال يوم انتخابي طويل، لفتت صور التلفزيون الجزائري الذي كان ينقل العملية الانتخابية بأرقامها ونسبها رواد مقهى شعبي في منطقة "درقانة" شرق العاصمة. هذه الصور أشعلت نقاشات حادة بين المواطنين الذين انقسموا بين من صدق هذه الصور الدالة على كثافة نسبية للتصويت، وبين من اعتبرها جزءاً من دعاية سياسية. وركز التلفزيون على تصويت ناخبي الولايات الداخلية والجنوب. وقالت إحدى الناخبات من منطقة تندوف (2200 كيلومتر جنوب العاصمة الجزائرية)، في تصريح صحافي، إنها "تنتظر بفارغ الصبر يوم الانتخاب، وقد استعدت له من خلال ارتداء ملابس جديدة، وكانت أولى الناخبات في مركز الانتخاب في هذه المنطقة الحدودية الصحراوية".

ويختلف الدافع إلى الانتخابات بين الجزائريين. قبل إغلاق مكتب الاقتراع أول من أمس بساعتين، ذهب عبد الهادي زيتوني (32 عاماً) إلى مركز التصويت "للانتخاب حفاظاً على لحمة الوطن، وممارسة حقه الدستوري وواجبه تجاه بلده". وفي السياق نفسه، قال أحد الناخبين، وهو طاعن في السن: "انتخبت الشخص الذي سيعتني بحل مشاكل كبار السن، ومن يبني مستشفى ويمنع عنا عناء السفر مئات الكيلومترات نحو مستشفيات الشمال". وطالب الجزائريين "بانتخاب رجل صالح يصلح حال البلاد".




علاقة الجزائريين بالانتخابات ظلت خلال فترة الحزب الواحد مجرد تسجيل حضور طالما أن السلطة كانت المحدد الرئيسي والمنظم للانتخابات. ويمكن فهم ذلك من خلال تكرر مشاهد كثافة التوافد الكبير والتدافع بين الشيوخ والنساء من جيل متقدم في السن في الفترة الصباحية على مراكز الاقتراع. واستغلّت السلطة هذا الموقف من خلال ربط الانتخابات باستحقاقات اجتماعية مختلفة. ويعتقد جيل من الناخبين أن الانتخابات تمثل سلّماً اجتماعياً للحصول على مكاسب أو امتيازات اجتماعية. وكانت السلطة تفرض مثلاً إظهار بطاقة الناخب ونسخة منها تفيد بأن المعني انتخب فعلاً في الاستحقاقات السابقة، من أجل قبول ملفه في أي مجال كان.

في هذا السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع السياسي راضية بوملحة لـ "العربي الجديد"، إن الانتخابات في المخيلة الجزائرية ظلت لسنوات طويلة عبارة عن خطوة للحصول على امتيازات في الإدارة أو البحث عن الحصول على سُلّم اجتماعي من جهة، وممارسة الحق خوفاً من أن تكون بطاقة الانتخاب في حدّ ذاتها وثيقة تطلب في تجهيز ملف إداري للحصول على سكن أو وظيفة أو قرض من بنك عام في المستقل".

وتعمق هذا السلوك الانتخابي لدى جزء هام من الكتلة الناخبة في الجزائر، خصوصاً كبار السن. لكن زمن التعددية السياسية منذ عام 1989 حوّل الانتخابات تدريجياً إلى حالة وعي سياسي وسلوك نضالي. وبعد فترة استقالة نسبية للجزائريين عن السياسة بسبب تداعيات الأزمة الأمنية في التسعينيات، عاد النقاش حول الفعل الانتخابي خلال الأشهر التسعة من الحراك الشعبي، الذي بدأ في 22 فبراير/ شباط الماضي. كما زادت الخطابات المتعلقة بـ "أهمية تمكين الجزائري من اختيار رئيس الجمهورية من دون ضغط واختيار حقيقي وعن وعي، وتحولت بحسب الكتلة الداعمة الانتخابات إلى فعل مقاومة ومعبر سياسي لحل الأزمة". كما اختفت مجمل الأبعاد الاجتماعية لفعل الانتخاب، وظهر ذلك من خلال تباهي البعض من الناشطين بممارسة حقهم في نشر صور لهم وهم يحملون بطاقة الانتخاب والتوقيع على محضر الانتخاب، كما فعل الناشط والأستاذ الجامعي من جامعة تبسة شرقي العاصمة الجزائرية رضوان بلخيري، برفقة زميل له في الجامعة، وقد أدى واجبه الانتخابي كمواطن جزائري يتمتع بحقوق وواجبات تجاه الوطن الأم الجزائر قبل كل شيء.




واللافت أن كتلة أخرى ترى في الانتخابات لعبة سياسية من السلطة، وهو ما ظهر من سلسلة احتجاجات في مناطق جزائرية أهمها العاصمة الجزائرية وولايات البويرة وتيزي وزو وبجاية. وتوجه كثيرون برسائل التهدئة وضبط النفس، عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمقاطعين والمتظاهرين، "لضرورة الحفاظ على السلمية في التظاهرات"، معتبرين أن "استقرار البلاد يتطلب تهدئة النفوس والتعبير عن الرأي مع احترام الرأي الآخر".