تحوّل تعذيب المعتقلين في السجون المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى أمر روتيني، ليصبح "وباء" بسبب انتشاره وممارسته بشكل ممنهج، وفق تقرير جديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي حذرت من أن هذا التعذيب الشائع في مصر يشكّل جريمة محتملة ضد الإنسانية. التقرير الجديد الذي يحمّل السيسي المسؤولية عن إعطاء الضوء الأخضر لممارسة التعذيب بهدف تحقيق الاستقرار "مهما كان الثمن"، ينقل شهادات 19 مصرياً اعتقلوا منذ عام 2013، والانتهاكات التي تعرضوا لها وتتراوح بين الضرب والاغتصاب. فيما يفتح المجال، وفق قانونيين وحقوقيين مصريين ودوليين، للبناء عليها في ملاحقة أجهزة رسمية ومسؤولين في النظام المصري، منذ انقلاب 3 يوليو 2013 وحتى الآن، أمام المحاكم والمنظمات الدولية، بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".
وقال نائب مدير الشرق الأوسط في المنظمة، جو ستروك، إن السيسي "منح فعلياً رجال الشرطة والأمن الوطني الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا ذلك"، مشيراً إلى أن "الإفلات من العقاب على الاستخدام المنهجي للتعذيب لم يترك للمواطنين أي أمل في تحقيق العدالة". وحذر ستروك من أن "السماح للأجهزة الأمنية بارتكاب هذه الجريمة البشعة في أنحاء البلاد قد يخلق موجة أخرى من الاضطرابات". وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن على السيسي تكليف وزارة العدل بإنشاء منصب مدعٍ خاص مستقل مكلف بتفتيش مراكز الاعتقال، والتحقيق في الإساءة من قبل الأجهزة الأمنية ومقاضاتها، ونشر سجل الإجراءات المتخذة. وأضافت: "في حال عدم قيام إدارة السيسي بجهد جدي لمواجهة وباء التعذيب، على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التحقيق ومقاضاة المسؤولين المصريين المتهمين بارتكاب التعذيب، أو الأمر به، أو المساعدة عليه".
وفي التقرير الذي يتألف من 63 صفحة، عرضت المنظمة شهادات 19 سجيناً سابقاً اعتُقلوا منذ عام 2013، وشهادة أسرة سجين آخر، كلهم "تعرّضوا لأساليب من التعذيب ما بين عامي 2014 و2016 تضمّنت الضرب والصعق الكهربائي والاغتصاب". وقالت المنظمة إن جماعات حقوقية محلية وثقت مقتل عشرات الأشخاص تحت تعذيب الشرطة. وأضافت أن جلسات التعذيب تهدف لانتزاع اعترافات أو جمع معلومات أو مجرد العقاب. وأظهر التقرير أن "عناصر الشرطة والأمن الوطني ارتكبوا على مدى عقود أنواعاً متطابقة من التعذيب في مراكز الشرطة ومديريات الأمن ومقرات الأمن الوطني في جميع أنحاء البلاد، ما يشير إلى أن الممارسة كانت آنذاك وما زالت الآن منهجية ومنتشرة على نطاق واسع". ووفقاً للمعتقلين، تبدأ جلسة التعذيب بقيام عناصر الأمن بتعريض المحتجز، وهو معصوب العينين وعارٍ ومقيد اليدين، للصدمات الكهربائية بأداة الصعق، وفي كثير من الأحيان في أماكن حساسة مثل الأذنين أو الرأس. وكثيراً ما يقوم رجال الشرطة بنقل المحتجزين من غرفة لأخرى، حيث تستخدم أساليب مختلفة للتعذيب، مثل قلع الأظافر أو الإيهام بالغرق. وقال بعض المعتقلين إنهم وُضعوا داخل غرفة أطلق عليها اسم "الثلاجة"، حيث تكون درجة الحرارة شديدة البرودة بينما لا يرتدون سوى الملابس الداخلية. وقال أحد المعتقلين للمنظمة: "كانت أعصابي كلها ترتجف ولم أعد أتحكم بها. كلما حاولت الوقوف أصبت بالدوار". وأضاف أنه تعرض لجلسة تعذيب مكثفة شملت وضع أسلاك كهربائية في أعضائه التناسلية.
وتوصل باحثو "هيومن رايتس ووتش" لخمس حالات استخدم فيها رجال الشرطة التعذيب لإجبار المعتقلين على قراءة اعترافات مكتوبة سلفاً، وتم تصويرهم وهم يقرأون وبُث التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي أو التلفزيون الرسمي. وقال أحد المعتقلين "لقد اعترفت بالتظاهر بعدما ضغطوا علي، وكذلك بالنسبة لباقي الأسئلة، أعطيتهم الإجابات التي يريدون سماعها، لأن الكهرباء كانت أقوى من أن أتحملها". هذا التقرير، وصفه قانونيون وحقوقيون مصريون ودوليون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، بأنه خطوة ثالثة متقدمة للغاية، للبناء عليها في ملاحقة أجهزة رسمية، ومسؤولين في النظام المصري، أمام المحاكم والمنظمات الدولية، بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية". وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي من جانب السلطات المصرية، حتى إعداد هذا التقرير، بشأن ما ورد في تقرير المنظمة، فقد أكد قانونيون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن موقف النظام سيكون معقداً للغاية، خلال الفترة المقبلة.
ولفت الباحث الحقوقي المصري الدولي، أحمد مفرح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى عدد من النقاط الجوهرية، حول التقرير، مشيراً إلى أن المنظمة الدولية وثقت على مدار 3 تقارير، عدة جرائم ارتكبتها السلطات المصرية، بدأتها بتوثيق وإثبات أن ما حصل في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، عقب الانقلاب العسكري، يصنف وفقاً للقوانين الدولية، "جريمة ضد الإنسانية". وتكرر توثيقها لأركان جريمة أخرى "ضد الإنسانية"، بعد قضية تهجير سكان مدينة رفح في محافظة شمال سيناء، من مدينتهم، تهجيراً قسرياً، وباستخدام القوة الباطشة. وأضاف أن التقرير الصادر أمس عن المنظمة، وثّق الجريمة الثالثة، بوصفها "جريمة ضد الإنسانية"، وهي جريمة تعذيب المعتقلين والسجناء داخل السجون وأماكن التحقيق والاحتجاز، مشيراً إلى أنه للمرة الأولى في تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تتم الإشارة إلى دور جهاز الأمن الوطني، في هذه الجريمة. وأكد مفرح أن التقرير سيفيد للغاية جميع العاملين في المجال القانوني، ويمنحهم مركز قوة جديداً، في سعيهم لملاحقة المسؤولين المصريين المسؤولين عن هذه الجرائم دولياً.
في السياق ذاته، أكد مستشار قانوني أن الكثير من الانتهاكات الواردة في التقرير، في حال ثبوتها بأدلة موثقة، فإنها تتحول مباشرة إلى جرائم حرب. وأوضح المستشار القانوني الذي تحدثت إليه "العربي الجديد"، أن المواثيق الدولية حددت مجموعة من الجرائم والانتهاكات، وفي مقدمتها تعذيب السجناء والمحتجزين قسراً، وهي تسمح بالتدخّل الدولي والإشراف على الأنظمة التي ترتكب مثل هذه الانتهاكات، ومحاكمة القائمين عليها. المستشار الذي شارك في تحقيقات بشأن انتهاكات مماثلة في عدد من الدول في أفريقيا وأوروبا الشرقية في فترات مختلفة، دعا الذين تعرضوا لمثل هذه الوقائع، لتوثيقها بأحكام من محاكم دولية لمساعدة المنظمات في الضغط على تلك الأنظمة الاستبدادية لإدخال تحسينات على أماكن الاحتجاز، وملاحقة المتورطين في مثل هذه الأعمال.
في السياق، وصف أستاذ قانون دولي في جامعة القاهرة، توقيت التقرير بالممتاز بالنسبة للمظلومين في مصر، والحرج بالنسبة للنظام، "مع الضغوط الصادرة من الإدارة الأميركية على السلطة في مصر لتحسين أوضاع حقوق الإنسان". وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "بموجب هذه التقارير يحقّ للمنظمات الدولية غير الحكومية أن تتقدم بما لديها من أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان في أي دولة في العالم إلى مقرر المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في مدى انتهاك أفراد من السلطة لحقوق الإنسان للوصول إلى محاكمتهم في محكمة خاصة، وأيضاً إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان لتشكيل لجنة تقصي حقائق". لكنه قال إنه "في الحالة المصرية، هذا لا يُطبق حالياً لأسباب لها علاقة بالتوازنات الدولية".
يُشار إلى أن تقرير منظمة "هيومن رايتس وواتش" جاء بعد يوم واحد من تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، قالت فيه إن وسائل الإعلام المصرية تخضع على نحو متزايد لهيمنة رجال أعمال مرتبطين بالحكومة وأجهزة الاستخبارات في البلاد. وأشارت المنظمة في تقريرها الثلاثاء إلى أن "هيمنة النظام على وسائل الإعلام لا تزال تنمو بل وتؤثر على وسائل الإعلام الموالية للحكومة".