30 ابريل 2016
"ويوم القيامة تفسير الأحلام"
تعرضت، بداية هذا الأسبوع، لموقف محرج، من رجلٍ لا أعرفه، التقيته مصادفة، وسألني متلهفاً، بعد أن عرف أني أعمل صحفياً، عن رؤيتي مستقبل الأوضاع في قطاع غزة. أجبته: "هو.. بصراحة..الحقيقة..الوضع..مممم..لا أعرف"، فرد باستهزاء، بعد أن رمقني بنظرة استعلاء: "صحفي، ولا تعرف"، ثم تركني، ومضى إلى حال سبيله.
أن تكون صحفياً في مدينة غزة، في مثل هذه الأيام، مشكلة حقيقية، فحجم "الألم"، و"الاكتئاب"، و"الحيرة"، و"الضجر"، الكبير الذي يحياه الناس يجعلهم متلهفين لمعرفة حقيقة ما يجري من حولهم، واستشراف ما تخبئه لهم الأيام، وعثورهم على "صحفي"، في خضم هذه الأجواء، يكون كعثور الظمآن على الماء، لكنه، للأسف، سرعان ما يكتشف أنه "سَرَابٍ بِقِيعَةٍ".
فلا الصحفي، ولا المحلل السياسي، ولا السياسي نفسه، قادر على فهم ما يجري، ولا أظنهم قادرين على التنبؤ بالقادم، وكأن لسان حالهم يقول: "لست أدرى، ولا المنجّم يدري"، لأننا ببساطة "مفعول به"، ولسنا من يخطط وينفّذ.
يسألنا الناس هنا: "متى سيفكّ الحصار؟ ومتى سيدخل الإسمنت؟ هل سنتمكن من بناء منازلنا التي دمرتها الحرب؟ متى نرى الكهرباء؟ والماء النظيف؟ والغاز؟ ومتى نتوقف عن تخزين البنزين الذي حوّل منازلنا لقنابل موقوتة؟ وهل سيفتح معبر رفح؟ ولماذا هو مغلق؟ هل سيوافقون على منحنا ميناءً خاصاً بنا، نسافر من خلاله متى نشاء؟ وهل إذا رفع الحصار ستتحسن الأوضاع الاقتصادية؟ هل سنصبح قادرين على تشغيل أبنائنا العاطلين، ومنحهم بصيصاً من أمل؟ هل سيتمكن شبابنا من العيش، كباقي البشر؟ هل سينتهي الذل الذي نعيشه، ولا نضطر لإراقة ماء وجوهنا، ونحن نستدين ثمن "ربطة الخبز" من بعض المقتدرين، كي نطعم أطفالنا؟ هل سترى الأمهات ذلك اليوم الذي تتبدد فيه مخاوفهن على أطفالهن الذين تلتهمهم الحروب التي تشنها إسرائيل بين الفينة والأخرى؟
أسئلة لها أول وليس لها آخر، ولعل الملاحظ أنها تتمحور حول القضايا المعيشية، حيث لم يعد الناس يسألون عن القضايا السياسية المصيرية، فلم نعد نسمع الأسئلة التي كنا نطرحها على آبائنا ونحن صغار، على غرار: متى سنتنسم عبير الحرية؟ ومتى ستصبح لنا دولة مستقلة؟ ومتى سنحرر فلسطين؟ ومتى سنصلّي في المسجد الأقصى؟ ونستنشق عبير القدس، ومتى ستأتي الجيوش العربية لنجدتنا؟
ومن اللافت، أيضاً، أن الدول والجماعات والمؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية لم تعد، كما في السابق، تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإنما تركز مطالباتها بـ"إنهاء حصار غزة" فقط.
بعبارة أخرى، يبدو أن الإستراتيجية التآمرية الخاصة بحصار القطاع أتت آكلها، ونجحت في تقزيم "القضية"، ودفع الناس إلى الاهتمام بقضايا مأكلهم ومشربهم، على حساب قضاياهم الوطنية.
وللذكرى: صادف السبت الماضي (29/11) ذكرى إحدى أخطر "المؤامرات" التي مرت بها المنطقة، وهو قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947. وجاءت الذكرى لتقول لنا إن 67 عاماً مرت، وما زال الفلسطينيون أبعد ما يكونون عن تحقيق حلمهم بالاستقلال، على الرغم من التضحيات الهائلة التي قدّموها.
ليس هذا وحسب، بل تأتي الذكرى والفلسطينيون يتوسلون من بعض "برلمانات" دول العالم الحر إصدار اعتراف (غير ملزم) بحق الفلسطينيين، في إقامة دولة مستقلة، فيما يتوسل آخرون في غزة من المجتمع الدولي أن يمنحهم حفنة "أسمنت".
ليس من المنطق أن نلوم الناس على تساؤلاتهم المشروعة، وإن جاءت على حساب "الأسئلة الوطنية المفترضة"، ولا يمكن لها أن تقدح في وطنيتهم، فهم، في النهاية، بشر، ولا يستطيع أحد أن يزايد على انتمائهم لفلسطين، ولا ريب أن تساؤلاتهم "عارضٌ"، وسيزول. وحتى يأتي اليوم الذي نستطيع أن نفهم فيه حقيقة ما يجري، ونتمكن من التنبؤ بما هو آت، ستبقى إجابة تلك الأسئلة اللغز: "الدنيا أحلام، والموت يقظة، ويوم القيامة تفسير الأحلام".
أن تكون صحفياً في مدينة غزة، في مثل هذه الأيام، مشكلة حقيقية، فحجم "الألم"، و"الاكتئاب"، و"الحيرة"، و"الضجر"، الكبير الذي يحياه الناس يجعلهم متلهفين لمعرفة حقيقة ما يجري من حولهم، واستشراف ما تخبئه لهم الأيام، وعثورهم على "صحفي"، في خضم هذه الأجواء، يكون كعثور الظمآن على الماء، لكنه، للأسف، سرعان ما يكتشف أنه "سَرَابٍ بِقِيعَةٍ".
فلا الصحفي، ولا المحلل السياسي، ولا السياسي نفسه، قادر على فهم ما يجري، ولا أظنهم قادرين على التنبؤ بالقادم، وكأن لسان حالهم يقول: "لست أدرى، ولا المنجّم يدري"، لأننا ببساطة "مفعول به"، ولسنا من يخطط وينفّذ.
يسألنا الناس هنا: "متى سيفكّ الحصار؟ ومتى سيدخل الإسمنت؟ هل سنتمكن من بناء منازلنا التي دمرتها الحرب؟ متى نرى الكهرباء؟ والماء النظيف؟ والغاز؟ ومتى نتوقف عن تخزين البنزين الذي حوّل منازلنا لقنابل موقوتة؟ وهل سيفتح معبر رفح؟ ولماذا هو مغلق؟ هل سيوافقون على منحنا ميناءً خاصاً بنا، نسافر من خلاله متى نشاء؟ وهل إذا رفع الحصار ستتحسن الأوضاع الاقتصادية؟ هل سنصبح قادرين على تشغيل أبنائنا العاطلين، ومنحهم بصيصاً من أمل؟ هل سيتمكن شبابنا من العيش، كباقي البشر؟ هل سينتهي الذل الذي نعيشه، ولا نضطر لإراقة ماء وجوهنا، ونحن نستدين ثمن "ربطة الخبز" من بعض المقتدرين، كي نطعم أطفالنا؟ هل سترى الأمهات ذلك اليوم الذي تتبدد فيه مخاوفهن على أطفالهن الذين تلتهمهم الحروب التي تشنها إسرائيل بين الفينة والأخرى؟
أسئلة لها أول وليس لها آخر، ولعل الملاحظ أنها تتمحور حول القضايا المعيشية، حيث لم يعد الناس يسألون عن القضايا السياسية المصيرية، فلم نعد نسمع الأسئلة التي كنا نطرحها على آبائنا ونحن صغار، على غرار: متى سنتنسم عبير الحرية؟ ومتى ستصبح لنا دولة مستقلة؟ ومتى سنحرر فلسطين؟ ومتى سنصلّي في المسجد الأقصى؟ ونستنشق عبير القدس، ومتى ستأتي الجيوش العربية لنجدتنا؟
ومن اللافت، أيضاً، أن الدول والجماعات والمؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية لم تعد، كما في السابق، تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإنما تركز مطالباتها بـ"إنهاء حصار غزة" فقط.
بعبارة أخرى، يبدو أن الإستراتيجية التآمرية الخاصة بحصار القطاع أتت آكلها، ونجحت في تقزيم "القضية"، ودفع الناس إلى الاهتمام بقضايا مأكلهم ومشربهم، على حساب قضاياهم الوطنية.
وللذكرى: صادف السبت الماضي (29/11) ذكرى إحدى أخطر "المؤامرات" التي مرت بها المنطقة، وهو قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947. وجاءت الذكرى لتقول لنا إن 67 عاماً مرت، وما زال الفلسطينيون أبعد ما يكونون عن تحقيق حلمهم بالاستقلال، على الرغم من التضحيات الهائلة التي قدّموها.
ليس هذا وحسب، بل تأتي الذكرى والفلسطينيون يتوسلون من بعض "برلمانات" دول العالم الحر إصدار اعتراف (غير ملزم) بحق الفلسطينيين، في إقامة دولة مستقلة، فيما يتوسل آخرون في غزة من المجتمع الدولي أن يمنحهم حفنة "أسمنت".
ليس من المنطق أن نلوم الناس على تساؤلاتهم المشروعة، وإن جاءت على حساب "الأسئلة الوطنية المفترضة"، ولا يمكن لها أن تقدح في وطنيتهم، فهم، في النهاية، بشر، ولا يستطيع أحد أن يزايد على انتمائهم لفلسطين، ولا ريب أن تساؤلاتهم "عارضٌ"، وسيزول. وحتى يأتي اليوم الذي نستطيع أن نفهم فيه حقيقة ما يجري، ونتمكن من التنبؤ بما هو آت، ستبقى إجابة تلك الأسئلة اللغز: "الدنيا أحلام، والموت يقظة، ويوم القيامة تفسير الأحلام".