07 نوفمبر 2024
"يتصدّى" بشار للصهيونية فتخسر سورية الجولان
حتى بداية العام 2011، كان بشار يفاوض الإسرائيليين سراً، عبر الولايات المتحدة، بغية الوصول إلى اتفاق سلام، على غرار الأردن ومصر (مذكرات جون كيري). لكن هذه المفاوضات توقفت، مع اندلاع ثورة السوريين على حكمه؛ فانكبّ هو على "محاربة المؤامرة الإمبريالية والصهيونية" عبر قتلهم وتهجيرهم وتدميرهم. وها هو اليوم، يعلن، هو وحُماته، أنه إنما "انتصر" على شعبه، أي على الشرّين العظيمَين، وأن أميركا هُزمت، ومعها إسرائيل، وأن "شرق أوسط جديدا" يبزغ في الأفق، خاليا منهما، بعدما طحنتهما محادل الممانعين والمقاومين.. إلخ.
ثم جاءت تغريدة دونالد ترامب، منذ بضعة أيام، أنه بعد اثنين وخمسين عاماً على احتلال الجولان، حانَ وقت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الهضبة السورية؛ مبيّناً أهميتها الاستراتيجية والأمنية لإسرائيل ولـ"استقرار المنطقة". ويكون بذلك قد خرقَ قرارات أممية، وألغى صفة الاحتلال عن الجولان، ومكّن إسرائيل من الاستيلاء عليها قانونياً. وسوف يكون مستحيلا بعد ذلك أن تفكر القيادات الإسرائيلية اللاحقة بالانسحاب من الجولان، في حال عادت المفاوضات بين إسرائيل وسورية: ستكون ساعتها كمَنْ يتنازل عن أرضه، عن سيادته الوطنية.
أمام الاستنكار الدولي لهذه الخطوة، وفرحة نتنياهو العارمة، ووصفه الخطوة بالتاريخية، أجاب ترامب بعفويته المفتعلة بأنه لم يقصد منها تعزيز فرص نتنياهو في الانتخابات التشريعية
المقبلة؛ بل إن الموضوع هذا "لم يخطر على باله". وصف أحد المعلِّقين البارزين هذه الكلمة بأنها إما تنمّ عن جهل أو عن استغباء، مصيبة في كلتا الحالتَين. لكن مراجعة بسيطة لخطوات ترامب السابقة، ونشاطاته العقابية ضد حزب الله وإيران، توضح العكس: أن ترامب، على خلاف تخبطاته السابقة، يعلم هنا ما يفعل. وهو مدعومٌ من كتلةٍ قوية داخل حزبه، يقودها السيناتور البارز لانسلي غراهام. تمْزيقه الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة العقوبات عليها، أكثر من إعلانه القدس عاصمة إسرائيل، هو الأب الشرعي لقراره حول الجولان: إنه يستهدف إيران أكثر مما يطمح إلى إبقاء نتنياهو رئيسا لحكومة إسرائيل.
وهذه التي تبدو خطوةً غبية، أو متغابية، هي مثل الهدية الرمزية لمعسكر بشار والممانعة: فتحت شهية الغضب السعيد، المبتهج بصحة رأيه، إن الإمبريالية والصهيونية، تثبتان مرة أخرى تحالفهما العضوي وتآمرهما على سورية، تكرِّسان أراضي محتلة، تكسبهما الديمومة، تغتصب الأرض والعرض.. إلى ما هنالك من شعاراتٍ لم تغْفُ لحظة واحدة، طوال الحرب على الشعب السوري. شعارات تستفيق، فتعود وتطلّ على الجماهير، متألقةً، متجدّدة؛ تؤكد على "صحة الخط"، و"الثبات على الثوابت"، وطبعاً، "الانتصار" الدائم، من دون خدْشةٍ واحدة، ولا غلطة واحدة، تُدخل لحناً، أو تطريباً، أو تنويعا على المؤكَد، فتظهر أميركا الأبدية على الصورة ذاتها، الثابتة هي الأخرى. من دون أن يلمح الممانعون تبديلاً واحداً على ملامحها. خذْ هذه النقطة مثلاً: عام 1981، الموقف المغاير للرئيس الأميركي، رونالد ريغان، الذي ردّ على قرار الكنيست ضم الجولان إلى إسرائيل، بأن أوقف مفاوضات معها، كانت تهدف إلى إقامة شراكة استراتيجية.
ولكن، لا تغشُّكَ اللهجة الغاضبة، ولا الشتائم ولا النبشْ في "الأميركي البشع". غير فرحة البرهان على صحة الموقف، ثمّة غبطة داخلية عظيمة من هذا القرار. إنه يعطي نفحة شرعية إضافية للاحتلال الإيراني في سورية. بوجه روسيا بالخصوص، منافسة إيران الكبرى على هذا الاحتلال. ومن ظن أن قرار الجولان هو ضربة لإيران؟ تحت شعار تحرير الجولان، كما شعار تحرير فلسطين، ستُخاض لاحقاً معارك هوائية أخرى، ضد الأعداء، ضد الخصوم، ضد الحلفاء، ضد المنافسين.. لكل منهم "حصته"، "طريقته"، "دوره". وله ما يدعمه بين "الأهل" والأحزاب الرديفة، يسارية ديمقراطية قومية دينية.. كل ما يشتهيه المرء من جرعاتٍ تعطي المعنى إلى اللامعنى، وتنفخ في بوق "الانتصارات"، من دون أن تنسى الغضب الدافئ، المطلوب، المجترّ.
وكما بعد كل هزيمة، يتعزَّز موقع الحاكم. في حرب حزيران 1967 التي قلبت الدنيا العربية
على نفسها، إذ كانت هزيمةً موصوفة، احتلت من بعدها الجولان، كما سيناء والضفة والقدس الشرقية وغزة. حافظ الأسد وقتها، قائد سورية، صعد من بعدها إلى الحكم، وأبّد حكمه. اليوم، "بعد اثنتين وخمسين سنة" على هذا الاحتلال الأول للجولان، لم تَعُد الجولان أرضا "محتلة"، بل أضحت أرضا "إسرائيلية"؛ ولا يحق بالتالي للسوريين المطالبة بها. كانت فرصة لإسرائيل، تطابقت مع حرب الولايات المتحدة على إيران.
قبل خطوة ترامب هذه، لم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن التحليق فوق سورية، وقصف أهدافها، من دون وازع. بلد ضائع، محتل، سائب، مدمَّر، مفلس، يختلف المتنافسون عليه، يمرّرون ضرباتهم فوق الطاولة وتحتها، لا حصانة فيه لسيادته، يغري إسرائيل حتماً ونزوعها التوسعية. أضف أن على رأسه وارث الاحتلال الأول الذي يقتل شعبه باسم التصدّي لهذا الاحتلال؛ يضمن بقاءه، بالاشتراك مع الاحتلالات الأخرى. ورث بشار أرضاً "محتلة"، من حقه أن يسترجعها. ومن إنجازات عهده الميمون، بعدما دمر سورية والسوريين، أنها أصبحت الآن "تحت السيادة الإسرائيلية". جيل آخر سوف ينشأ، بعد ذلك، يحتاج، قبل البندقية، إلى مدقِّق لغوي تاريخي.
ثم جاءت تغريدة دونالد ترامب، منذ بضعة أيام، أنه بعد اثنين وخمسين عاماً على احتلال الجولان، حانَ وقت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الهضبة السورية؛ مبيّناً أهميتها الاستراتيجية والأمنية لإسرائيل ولـ"استقرار المنطقة". ويكون بذلك قد خرقَ قرارات أممية، وألغى صفة الاحتلال عن الجولان، ومكّن إسرائيل من الاستيلاء عليها قانونياً. وسوف يكون مستحيلا بعد ذلك أن تفكر القيادات الإسرائيلية اللاحقة بالانسحاب من الجولان، في حال عادت المفاوضات بين إسرائيل وسورية: ستكون ساعتها كمَنْ يتنازل عن أرضه، عن سيادته الوطنية.
أمام الاستنكار الدولي لهذه الخطوة، وفرحة نتنياهو العارمة، ووصفه الخطوة بالتاريخية، أجاب ترامب بعفويته المفتعلة بأنه لم يقصد منها تعزيز فرص نتنياهو في الانتخابات التشريعية
وهذه التي تبدو خطوةً غبية، أو متغابية، هي مثل الهدية الرمزية لمعسكر بشار والممانعة: فتحت شهية الغضب السعيد، المبتهج بصحة رأيه، إن الإمبريالية والصهيونية، تثبتان مرة أخرى تحالفهما العضوي وتآمرهما على سورية، تكرِّسان أراضي محتلة، تكسبهما الديمومة، تغتصب الأرض والعرض.. إلى ما هنالك من شعاراتٍ لم تغْفُ لحظة واحدة، طوال الحرب على الشعب السوري. شعارات تستفيق، فتعود وتطلّ على الجماهير، متألقةً، متجدّدة؛ تؤكد على "صحة الخط"، و"الثبات على الثوابت"، وطبعاً، "الانتصار" الدائم، من دون خدْشةٍ واحدة، ولا غلطة واحدة، تُدخل لحناً، أو تطريباً، أو تنويعا على المؤكَد، فتظهر أميركا الأبدية على الصورة ذاتها، الثابتة هي الأخرى. من دون أن يلمح الممانعون تبديلاً واحداً على ملامحها. خذْ هذه النقطة مثلاً: عام 1981، الموقف المغاير للرئيس الأميركي، رونالد ريغان، الذي ردّ على قرار الكنيست ضم الجولان إلى إسرائيل، بأن أوقف مفاوضات معها، كانت تهدف إلى إقامة شراكة استراتيجية.
ولكن، لا تغشُّكَ اللهجة الغاضبة، ولا الشتائم ولا النبشْ في "الأميركي البشع". غير فرحة البرهان على صحة الموقف، ثمّة غبطة داخلية عظيمة من هذا القرار. إنه يعطي نفحة شرعية إضافية للاحتلال الإيراني في سورية. بوجه روسيا بالخصوص، منافسة إيران الكبرى على هذا الاحتلال. ومن ظن أن قرار الجولان هو ضربة لإيران؟ تحت شعار تحرير الجولان، كما شعار تحرير فلسطين، ستُخاض لاحقاً معارك هوائية أخرى، ضد الأعداء، ضد الخصوم، ضد الحلفاء، ضد المنافسين.. لكل منهم "حصته"، "طريقته"، "دوره". وله ما يدعمه بين "الأهل" والأحزاب الرديفة، يسارية ديمقراطية قومية دينية.. كل ما يشتهيه المرء من جرعاتٍ تعطي المعنى إلى اللامعنى، وتنفخ في بوق "الانتصارات"، من دون أن تنسى الغضب الدافئ، المطلوب، المجترّ.
وكما بعد كل هزيمة، يتعزَّز موقع الحاكم. في حرب حزيران 1967 التي قلبت الدنيا العربية
قبل خطوة ترامب هذه، لم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن التحليق فوق سورية، وقصف أهدافها، من دون وازع. بلد ضائع، محتل، سائب، مدمَّر، مفلس، يختلف المتنافسون عليه، يمرّرون ضرباتهم فوق الطاولة وتحتها، لا حصانة فيه لسيادته، يغري إسرائيل حتماً ونزوعها التوسعية. أضف أن على رأسه وارث الاحتلال الأول الذي يقتل شعبه باسم التصدّي لهذا الاحتلال؛ يضمن بقاءه، بالاشتراك مع الاحتلالات الأخرى. ورث بشار أرضاً "محتلة"، من حقه أن يسترجعها. ومن إنجازات عهده الميمون، بعدما دمر سورية والسوريين، أنها أصبحت الآن "تحت السيادة الإسرائيلية". جيل آخر سوف ينشأ، بعد ذلك، يحتاج، قبل البندقية، إلى مدقِّق لغوي تاريخي.