يواصل العراق حراكه من أجل استرداد آثاره التي نُهبت وهُرّبت خلال السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003. وأسفرت عن تغييب أعداد كبيرة من القطع الأثرية الهامة من التاريخ العراقي القديم.
وبحسب مصادر حكومية من العراق، فإنَّ ملف استرداد الآثار العراقية، يُعدُّ من أبرز الملفات التي تعمل عليها وزارة الثقافة والسياحة. وأخيراً، التقى رئيس الجمهورية، برهم صالح، المديرة العامَّة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والتعليم "اليونسكو"، أودري أزولاي، عقب إدراج مدينة بابل على لائحة التراث العالمي. وقد دعا المنظمة إلى العمل على استعادة الآثار العراقية المنهوبة، وضرورة تعزيز حمايتها. كما تمكَّن العراق من استرداد 15 قطعة أثرية من الولايات المتحدة، أعقبها توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة التركية لاسترداد 80 قطعة أثرية، كانت قد أخرِجَت من البلاد بطرق غير قانونية، وعثرت عليها السلطات التركية عام 2008.
ومنذ عام 1991، تستمر هذه العصابات بتصدير لوحات فنية تعود للعصور البابلية والسومرية، من مواقع في سامراء وبابل وكربلاء وذي قار، ولم تنته باحتلال تنظيم "داعش" بتحطيم تماثيل تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، في نينوى، وبيع أخرى إلى دول مجاورة، منها الخليج العربي والأردن وتركيا ثم إلى أوروبا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، لتبقى في أيد مجهولة، تحصَّنها بطريقة سرية. ولا تظهر هذه القطع إلا في المزادات السرية التي تسعى الحكومة العراقية الحالية لمراقبتها، واسترجاع ما يمكن استرجاعه.
وفي ذات السياق، قال مسؤول بمنصب مدير عام في وزارة الثقافة لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة تُخطط لإجراء سلسلة زيارات لبلدان عربية وأوروبية، من أجل تأكيد اتفاق العراق مع العالم على استرجاع الآثار المنهوبة، سواء ما قبل عام 200، عبر التهريب، أو القطع المسروقة بعد غزو العراق"، مبيناً أن "بعض البلدان مثل تركيا والأردن، تتعامل مع العراق بروح رياضية، في ملف استرجاع آثار البلاد. ولكن هناك بعض البلدان الأوروبية التي تتنصَّل من الاتفاقات الدولية المرتبطة باسترجاع الآثار للبلد الأم، بحجة المخاوف من سرقتها، أو عدم العناية بها".
ولفت إلى أن "العراق خلال الأشهر الخمسة الماضية تمكن من استرجاع أكثر من 190 قطعة أثرية، غالبيتها تعود إلى حقبة العصر البابلي، وأكثر من نصفها وصل إلى بلدان عربية عبر التهريب والبيع غير الشرعي لتجار عرب، ومنهم عراقيون"، مشيراً إلى أن "العراق يتجه حالياً لمفاتحة الإمارات رسميّاً، من أجل استرجاع الكثير من القطع الأثرية التي اشتراها مواطنون إماراتيون بطرق غير شرعية، إذْ يحتفظون بها كزينةٍ في منازلهم. مع العلم أن حكومة الإمارات لا تمنع ذلك، ولا تصادرها، وهي دولة تربطها بالعراق علاقة جيدة، ونأمل التوصل إلى اتفاق مع بلدان خليجية أخرى".
وكان رئيس الحكومة العراقية السابق، حيدر العبادي، قد سعى كثيراً خلال فترة توليه الحكم، إلى محاسبة وملاحقة المتورطين بملف تهريب الآثار. وخصوصاً بعد أن كَشَف القضاء تورُّطَ مسؤولين وبعض الوزراء، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، بسبب الضغوط السياسية التي مورست عليه من قبل أحزاب كبيرة، وأبرزها حزبه "الدعوة"، إضافة إلى الانشغال بالحرب على تنظيم "داعش"، الأمر الذي دفع الرئيس الحالي، عادل عبد المهدي، إلى إدراج ملف تهريب الآثار إلى الخارج في خانة "مكافحة الفساد"، وتحدث عن هذا الأمر أكثر من مرَّة. إلا أنه لن يتمكن، أيضاً، من تحقيق أي تقدم في هذا السياق، بسبب تشعُّب الملف، وتداخل أطرافه من المسؤولين السياسيين، وغيرهم من المنضوين ضمن مليشيّات مسلّحة في العراق.
من جانبه، أشار عضو مجلس النواب العراقي، علي البديري، إلى أن "المواجهة مع دول العالم سهلة بقضية استرجاع القطع الأثرية، وهناك سعي جاد من قبل وزير الثقافة الحالي، وحتى رئيس الحكومة عادل عبد المهدي. ولكن هناك مواجهة صعبة، وهي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إذْ تعمل على الاستيلاء منذ سنوات على آثار عراقية، بمزاعم أنها يهودية، وتعود إليها أصلاً"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنَّ "الكيان الصهيوني، وظّف سماسرة وتجارا عربا وأجانب، من أجل شراء أكبر عدد ممكن من القطع الأثرية المرتبطة بتاريخ بلاد الرافدين. وقد حصلت دولة الاحتلال على أعدادٍ كبيرةٍ من القطع. لكن هناك حراكا عراقيا من أجل منع ذلك، وفق القنوات القانونية".
وأغار "داعش" في عامي 2014 و2015 على مواقع تاريخية وخربها، في ما وصفته منظمة "يونسكو" بأنه هجوم على نطاق "واسع"، واستخدم النهب لتمويل عملياته، من خلال شبكة تهريب امتدت عبر الشرق الأوسط وخارجه.