آمن من دخل دار أميناتو
كثيراً ما فكرت في هذا الحكم الذاتي الذي ما فتئ المغرب، منذ تسليمه مشروعاً، للأمين العام للأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2007، يغامر به، كأعلى سقف للتفاوض مع فئة من مواطنيه الصحراويين، حُمِّلوا من طرف الجزائر، منذ سبعينيات القرن الماضي، أوزار خِذلان مواطنتهم المغربية الثابتة، منذ قرون خلت، بأقوى الأدلة التاريخية، الجغرافية، وحتى الشرعية.
وأضيف إلى كل هذه الأدلة، التي ثبت أهمُّها حتى لدى المحكمة الدولية، دليل لا يلتفت إليه أحد، وهو أن المغاربة الصحراويين الذين يعيشون حاليّاً في أقاليم المغرب الجنوبية ضمن خريطة الوطن، سيراً على نهج أسلافهم؛ لم تنبت لهم قرون، ولا سُملت لهم عيون، ولا صُمت لهم آذان، جراء اختيارهم الطوعي العيش في كنف الوطن.
إن كان هناك من يعاني فعلاً فهم الفقراء، والفقيرات، من مغاربة الشمال الذين يصبرون على حاجاتهم الأساسية للنهوض الاقتصادي والاجتماعي بمدن الصحراء التي لم يبذل الاستعمار الإسباني أي جهد لنقلها من البداوة البدائية إلى مراقي الحضارة، كما يحصل اليوم. ويتعقد الوضع أكثر، حينما تُخصص الميزانيات العسكرية الضخمة، بشهادة الجهات الدولية المختصة، لحماية خريطة الصحراء، وساكنتها، من كل اعتداء خارجي؛ حتى الصحراوي الصحراوي.
لو ارتفع التهديد لعم الخير الجميع، ولانتهت السنوات العجاف، حتى في الشمال. إن هشاشة البنيات التحتية التي كشفت عنها فيضانات هذا العام، خصوصاً في الجنوب القديم، من أسبابها قوة البنيات المعمارية والاجتماعية التي يواصل المغرب إحداثها في صحرائه، فمن يلتفت إلى هذا؟ من يقول بالقسمة الضيزى؟
ومن جميلات الصحراء، لكن النحيفات، اللواتي يتنعمن "بالديباج والحِلي والحُلل" امرأة تسمى أميناتو حيدر؛ لو كان غاندي صحراويّاً مغربيّاً لخلتَها ابنتَه. لكن، شتان بين الشبيهين في حب الوطن، وكراهية المتطفل الدخيل.
هجرغاندي كل المتع، ورضي بحب الهند الفقيرة، رفقة عنزته المناضلة التي ألهمت الشعب الهندي كله؛ في حين باعت شبيهته الجمل وما حمل، وألقت بمواطنتها المغربية، وجوازها، عرض الحائط، ما دامت لم تُتوجها أميرةً في الصحراء، بخدم وحشم، وأرصدة تفوق الأربعين ألف دولار التي لم تقبل بها لضآلتها، تعويضاً عن عنت السجن الذي يفتخر به مناضلو سنوات الرصاص الحقيقيون، في الشمال، ولا يقبلون ببيعه، مهما غلا السعر.
حينما يصل بي التفكير في مشروع الحكم الذاتي إلى تصور مآلاته، خصوصاً الوضع الفعلي اليومي للمواطن الصحراوي في ظل هذا الحكم، الجديد في حياة المملكة، لو تأتت لجبهة البوليساريو شجاعة القبول به؛ وبعبارة أصح، لو أُخلي بينها وبينه؛ لأن الجبهة كالمحجور لا تملك أمر قضيتها؛ تتراءى أمام ناظري أميناتو حيدر، وهي ترفل في ملحفها عبر أشهر مطارات العالم؛ عبوراً من الصحراء المادية الفعلية التي تعيش فيها، بالعيون، إلى ظل الصحراء الذي تحاول الجبهة أن ترسمه في منافيها الاختيارية، داخل الوطن المغربي وخارجه، ولا يتأتى لها، لأن رسم الظل ليس متأتيّاً إلا لكبار الفنانين المبدعين الذين لا يخونون الأصل.
أرى في أميناتو مواطنة مغربية صحراوية، عرفت بدهاء كبير كيف تعيش، في واقعها اليومي، الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب؛ وفي الوقت نفسه، تُقنع الانفصاليين بأنها أميرة حقوق الإنسان وتقرير المصير.