آنّا بنوت... فنانة تصنع التراث السوري الجديد

09 مارس 2018
طاسة الرعبة الجديدة (العربي الجديد)
+ الخط -
تمكنت الفنانة آنّا بنوت، المتحدرة من أصل سوري وبولندي، من أن توصل الرسائل الحسيّة والفنيّة عن طريق الأدوات التي صممتها خلال مشاركتها في مهرجان التصميم التشيكي "ديزاين بلوك" الذي يُقام سنوياً في براغ، ويُعدّ الأكبر في أوروبا. فحازت على الجائزة الأولى، وتم تكريمها ضمن المهرجان.

درست آنا فن التصميم في وارسو، وعندما تم اختيارها للمشاركة في مهرجان التصميم التشيكي، أرادت أن تتناول إرث الحضارة السورية، من منطلق جديد. فحيث إن البعثة المنتظرة نحو كوكب المريخ أصبحت قاب قوسين أو أدنى، فإن البشرية في الوقت ذاته تشهد دخول النزاع السوري عامه السابع دون اكتراث لآلاف الضحايا، وبتجاهل تام للإرث الحضاري السوري الذي يتم تدميره باستمرار وبشكل ممنهج. تتساءل آنا: "كيف يمكننا أن نحفظ الحضارة التي عاشت لآلاف السنين؟ ربما فشلت البشرية حقاً في ذلك، وقررت أن تتجه إلى المريخ لخلق حضارات جديدة".
يبقى السؤال مفتوحاً، إلا أنها لا تتوقف عنده، بل تتعمّق في البحث في التاريخ السوري القديم، وتكتشف أدوات الصناعة وتفاصيل الأشياء التي استُخدمت منذ آلاف السنين، لدى أقدم الحضارات في العالم، وتربطها بطريقة فنية بالأبحاث التي أجريت عن طبيعة كوكب المريخ، ونوع الحياة التي يمكن تأسيسها هناك. أطلقت آنا اسم "سورية 2087" على مشروعها، وذلك لربطه بالعام 1987 الذي سافر فيه أول رائد فضاء سوري، محمد فارس، إلى الفضاء، وترك هناك الأثر السوري الأول. تقول آنا لـ"العربي الجديد": "المشروع هو تمثيل لذروة التطور والتقدم البشري، إضافة إلى قمة الاضمحلال والتدهور، وكل ما يمكن أن يكون بينهما".

مجموعة الأشياء التي صممتها وحفرتها آنا يدوياً، هي ترجمة لقصصٍ سورية وتراثٍ فشلت الإنسانية في الحفاظ عليه. وتأتي محاولة آنا كَوعي منها لحجم الفقدان الكبير الذي سيمثّله ضياع الحضارة السورية العريقة. ولهذا فإن مشروعها "سورية 2087" يجمع القصص والتقاليد، ويتجاوزها ليربطها بالغزو البشري المنتظر فوق كوكب المريخ، فيسلط الضوء على التشابه الكبير بينهما، وعلى وجود نقاط التقاء حتمية بين الحضارات المنسية التي ابتكرها البشر، وبين ما يمكن بدؤه هناك في الفضاء البعيد. وكان اختيارها للمواد التي صَنعَت منها الأدوات المختلفة، مُستوحى من الحضارة السورية، وذلك تكريماً لذكرى الحرف التقليدية التي تواجه الاندثار.
استخدمت آنا ما يسمى في بلاد الشام "طاسة الرعبة"، وهي عبارة عن وعاء قديم لا زال موجوداً في الكثير من البيوت السورية. ويُعتقَد أن شرب الماء من هذا الوعاء، يطرد الخوف ويهدئ النفس. وربطَت هذه الفكرة بالتبصير عن طريق الفنجان، فلكليهما طابع العِلم بالغيب، وأثر الماورائيات في الحياة اليومية. ومن وحي الخطوط والآثار التي تتركها القهوة في فنجان التبصير، رسمت آنا على الوعاء خطوطاً ونماذج متكررة قامت "ناسا" بنشرها في إحدى الدراسات من كوكب المريخ. تبدو طاسة الرعبة في يد آنا، قطعة تقليدية من التراث السوري، ولا تشوبها خطوط التقدم العلمي، ورحلة المريخ المُنتظرة، بل إنّهما يندمجان معاً في قصة وأداة واحدة.
استخدمت آنا في مشروعها أيضاً، الخرزة الزرقاء ودلالاتها، قطع النقود التي تجلب الحظ، الأدوات الدائرية وخطوط الدوران التي تمثل حركة الكواكب الأزلية، الساعة اليدوية الزجاجية، وما تمثله من توازن وفهم لمرور الزمن. كما قامت بابتداع أدواتٍ مستوحاة من الحضارة السورية، وربطتها بدراسات "ناسا" المُعدّة عن طبيعة كوكب المريخ، والرحلة القادمة نحوه.
أنتجت آنا ضمن مشروعها فيلمين قصيرين حول الموضوع ذاته، وتمكنت بطريقتها الخاصة وذائقتها الفنية المُختلفة، من رواية الحكايات السورية عن طريق الحواس، كالصوت والصورة واللمس، والمواضيع القصيرة التي كتبتها عن كل أداة.

تقول في ختام مشروعها: "في عام 1987 سافر أول رائد فضاء سوري إلى الفضاء، بعد 100عام في (سورية 2087) ستولد سورية في الفضاء من جديد".
المساهمون