أبعد من العنصرية
لا تبدو خرائط سايكس وبيكو مرفوضة تماماً اليوم؛ وسط واقع عربي يميل للدولة القطرية الضيقة على حساب الفضاء القومي الرحب، فثمة اليوم من ينتمي بدمه للحبر الموقع على الجسد العربي، ومن ينتسب بشراسة للأسلاك الشائكة، ومن يحرس الحديد بعظامه كي يظل شاهداً أبدياً على الفارق المصطنع بين جرحين في عين واحدة.
وحتى في تلك الخرائط المشؤومة، تكاد تكون الحدود واهية وضئيلة، إذا ما قيست بالحد الذي انبرى البعض لصناعته، ليفصل مكانياً ولغوياً وحتى جينياً بين عربي وآخر، ليس بين اللبنانيين والسوريين سوى ما شيدته السياسة من ندوب وتفرقة؛ تتجلى في العنصرية التي حيكت على مهلٍ وبتروٍ طوال سنوات الثورة السورية، لتفيض في تسارع مخيف وبكثافة مريعة على الألسن الحزبية والخطابات الإعلامية مشكّلة شذوذا غير مألوف يحاصر اللاجئين السوريين، ويقرع خيمهم الهشة ويضرب بعنف آمال الأخوة.
ينتهج "البعض" في لبنان؛ و"البعض" هنا، للمفارقة، تتسع أفقياً وعمودياً؛ خطاباً وسلوكاً معادياً للسوريين، باعتبارهم دخلاء على المجتمع اللبناني على الرغم من الخطاب الرسمي الذي يؤكد على وحدة المصير والدم بين لبنان وسورية. إلا أن هذا الخطاب يُرمى بعيدا أمام واقع الاعتداءات اليومية التي يتعرض لها اللاجئ السوري، دون أن يكون له ذنب في المآل الذي أوصله لبلد تسود فيه قوة السلاح وسطوة المذهب على القانون والمؤسسة. نجح اللاجئون السوريون في توحيد فئة متطرفة وضارة ضدهم وحدهم، دون أن تعود وحدتها بالنفع على الوطن اللبناني
وتنجح ستارة العنصرية دائماً في اجتذاب جمهور الفتن والتقسيم؛ لما لها من سطوة على النفس الضعيفة، كما وتسوِّغ العنف اللبناني الممارس على الأرض السورية، وتشكّل انعكاساً قاتماً للبنادق المرفوعة على منازل كانت قبل زمن قصير ملاذاً وحيداً وشريفاً للمهجرين من جنوب لبنان خلال عدوان 2006 ؛ كان في مواجهة السوري المستضعف لبنانيون يحملون السلاح في بلده سورية والعنصرية تحت ظل الغطاء السياسي اللامحدود الممتد من طهران إلى بيروت في البلد الذي لجأ له
على أن هذه العنصرية السوداء رغم فداحتها إلا أنها تفضح دوافع حزب الله "اللبناني" الذي جعل من سورية سببا لمشاركة نظام الأسد في طغيانه؛ يغيب عن الحزب أن السوريين هم سورية الحقيقية، هم ملح الأرض وتجلياتها؛ فيتلاشى دفاعه عن سورية في مساحته اللبنانية، إذ يغضُّ الطرف وهو الطرف الأقوى والفاعل الأساسي في لبنان؛ عما تتعرض لها سورية المتمثلة باللاجئين السوريين في لبنان، إلا أنّه يوغل في القتال إلى جانب نظام الأسد تحت الحجة السورية نفسها؛ فلماذا بنظره ونظر أنصاره، هناك سورية وسورية أخرى؟
لأنها فضيحته؛ لأنه يخطئ في سورية.