01 نوفمبر 2024
أبعد من الكذب
لم يرف لتوني بلير جفن، وهو يتحدث في المؤتمر الصحافي في أعقاب الكشف عن تقرير "تشيلكوت"، والذي أعاد فتح ملف غزو العراق في عام 2003، والأدلة المزيفة التي ساقها رئيس الوزراء البريطاني السابق لجرّ بلاده للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في تلك العملية.
وقف بلير متحدّثاً أكثر من ساعتين عن صوابية خياره، على الرغم من اعتذاره عن المعلومات الكاذبة. بالنسبة إلى الرجل، فإن تداعيات ما قام به منفصل تماماً عن المعطيات التي قدمها للقيام بالعمل. لا يرى بلير أي آثار سلبية تلت احتلال العراق. وكل الدم المسفوك في شوارع بلاد الرافدين ومدنها لم يدفع المسؤول البريطاني إلى التراجع، ولو قليلاً، عن موقفه أو إبداء بعض الندم، لا بل على العكس. هو اعتبر أن ما حدث في العراق كان مؤسساً لخراب آخر، مشيراً إلى ليبيا ونزع سلاح معمر القذافي. ومضى أبعد من ذلك، في توجهاته الحربية، بأن اعتبر أن عدم قصف سورية في 2013 كان خاطئاً.
قد لا نكون بحاجة إلى تقرير "تشيلكوت" للكشف عن كذب بلير، والأدلة التي قدمها للانضمام إلى صديقه جورج بوش الابن في غزو العراق، خصوصاً أن تقارير كثيرة سابقة تحدثت عن كل التلفيقات التي سيقت لتبرير الأمر، منها التقارير الاستخبارية الأميركية نفسها. لكن التقرير لا شك كشف لنا عن النهج التدميري الذي لا يزال بلير يعيش فيه، وهو الذي يحاضر عالمياً في قضايا السلام. سلام بلير الذي يأتي على دماء العراقيين والليبيين والسوريين وغيرهم من شعوب الدول التي لا يرى المسؤول البريطاني السابق أي مضضٍ في تدميرها لتحقيق الديمقراطية، وهي الديمقراطية التي يتغنى بأنه استطاع تحقيقها في العراق. لا يعطي بلير بالاً لحال الانقسام الكبير في بلاد الرافدين، وهو الذي أطلق أساساً موجة القتل والتدمير في العراق، ولا يلتفت إلى فيدراليات الطوائف التي باتت مؤسسةً هناك، بل ربما هذه هي الديمقراطية التي أرادها منذ البدء. أيضاً لا يرى مشكلة في موت عراقيين كثيرين، وحتى البريطانيين، في سبيل تحقيق هذه الأهداف التي يتفاخر بها.
لم يفضح تقرير "تشيلكوت" فقط الكذب المفضوح أساساً، بل أضاء على عقليةٍ حكمت العالم خلال عقد، ولا تزال تداعياتها قائمة. فما قاله بلير، في دفاعه عن خياراته، لن يتوانى جورج بوش الابن عن قوله في حال فتح ملف التلفيق، كما هو حاصل اليوم في بريطانيا. المؤكد أنه سيعيد الحجج نفسها وبالوقاحة نفسها. لكن، ربما يضيف إليها معايير اقتصادية استطاعت الولايات المتحدة تأمينها خلال الغزو وبعده.
لم تعد المسألة مجرد المحاسبة على الكذب، وهو ما يجري نقاشه الآن في بريطانيا، فالأمر بات أبعد من ذلك. فإذا كان لا بد من محاسبة، وهي مستبعدة إلى حد كبير، بسبب تعقيداتٍ كثيرة، فإنها يجب ألّا تقف عند حدود التلفيق والخداع، بل تتعدّاه في الوقوف على ما قاله بلير لاحقاً، والاستهتار بكل ما يقول الغرب إنه يرفعه من قيم، وخصوصاً الحق في الحياة. وإذا كان البريطانيون يريدون المضي إلى النهاية في المحاسبة على أخطاء الغزو، فالمفترض أن يوصم بلير مجرم حرب، بناء على ما قاله في مؤتمره الصحافي، وأعذاره المؤكد أنها أقبح من ذنب الكذب نفسه.
غير أن آمال المحاسبة شيء، وواقع الحال شيء آخر، فإضافة إلى أن الرجل لن يلقى أي عقاب يُذكر، فإنه سيواصل لعب أدوار في السياسة العالمية والبريطانية، سواء عبر الاستشارات أو المحاضرات. أدوار بات من الواضح على أي خلفية ستقوم، فالمنهج التدميري للرجل بات مكشوفاً، وفي مؤتمر صحافي رسمي.
وقف بلير متحدّثاً أكثر من ساعتين عن صوابية خياره، على الرغم من اعتذاره عن المعلومات الكاذبة. بالنسبة إلى الرجل، فإن تداعيات ما قام به منفصل تماماً عن المعطيات التي قدمها للقيام بالعمل. لا يرى بلير أي آثار سلبية تلت احتلال العراق. وكل الدم المسفوك في شوارع بلاد الرافدين ومدنها لم يدفع المسؤول البريطاني إلى التراجع، ولو قليلاً، عن موقفه أو إبداء بعض الندم، لا بل على العكس. هو اعتبر أن ما حدث في العراق كان مؤسساً لخراب آخر، مشيراً إلى ليبيا ونزع سلاح معمر القذافي. ومضى أبعد من ذلك، في توجهاته الحربية، بأن اعتبر أن عدم قصف سورية في 2013 كان خاطئاً.
قد لا نكون بحاجة إلى تقرير "تشيلكوت" للكشف عن كذب بلير، والأدلة التي قدمها للانضمام إلى صديقه جورج بوش الابن في غزو العراق، خصوصاً أن تقارير كثيرة سابقة تحدثت عن كل التلفيقات التي سيقت لتبرير الأمر، منها التقارير الاستخبارية الأميركية نفسها. لكن التقرير لا شك كشف لنا عن النهج التدميري الذي لا يزال بلير يعيش فيه، وهو الذي يحاضر عالمياً في قضايا السلام. سلام بلير الذي يأتي على دماء العراقيين والليبيين والسوريين وغيرهم من شعوب الدول التي لا يرى المسؤول البريطاني السابق أي مضضٍ في تدميرها لتحقيق الديمقراطية، وهي الديمقراطية التي يتغنى بأنه استطاع تحقيقها في العراق. لا يعطي بلير بالاً لحال الانقسام الكبير في بلاد الرافدين، وهو الذي أطلق أساساً موجة القتل والتدمير في العراق، ولا يلتفت إلى فيدراليات الطوائف التي باتت مؤسسةً هناك، بل ربما هذه هي الديمقراطية التي أرادها منذ البدء. أيضاً لا يرى مشكلة في موت عراقيين كثيرين، وحتى البريطانيين، في سبيل تحقيق هذه الأهداف التي يتفاخر بها.
لم يفضح تقرير "تشيلكوت" فقط الكذب المفضوح أساساً، بل أضاء على عقليةٍ حكمت العالم خلال عقد، ولا تزال تداعياتها قائمة. فما قاله بلير، في دفاعه عن خياراته، لن يتوانى جورج بوش الابن عن قوله في حال فتح ملف التلفيق، كما هو حاصل اليوم في بريطانيا. المؤكد أنه سيعيد الحجج نفسها وبالوقاحة نفسها. لكن، ربما يضيف إليها معايير اقتصادية استطاعت الولايات المتحدة تأمينها خلال الغزو وبعده.
لم تعد المسألة مجرد المحاسبة على الكذب، وهو ما يجري نقاشه الآن في بريطانيا، فالأمر بات أبعد من ذلك. فإذا كان لا بد من محاسبة، وهي مستبعدة إلى حد كبير، بسبب تعقيداتٍ كثيرة، فإنها يجب ألّا تقف عند حدود التلفيق والخداع، بل تتعدّاه في الوقوف على ما قاله بلير لاحقاً، والاستهتار بكل ما يقول الغرب إنه يرفعه من قيم، وخصوصاً الحق في الحياة. وإذا كان البريطانيون يريدون المضي إلى النهاية في المحاسبة على أخطاء الغزو، فالمفترض أن يوصم بلير مجرم حرب، بناء على ما قاله في مؤتمره الصحافي، وأعذاره المؤكد أنها أقبح من ذنب الكذب نفسه.
غير أن آمال المحاسبة شيء، وواقع الحال شيء آخر، فإضافة إلى أن الرجل لن يلقى أي عقاب يُذكر، فإنه سيواصل لعب أدوار في السياسة العالمية والبريطانية، سواء عبر الاستشارات أو المحاضرات. أدوار بات من الواضح على أي خلفية ستقوم، فالمنهج التدميري للرجل بات مكشوفاً، وفي مؤتمر صحافي رسمي.