قلّما شهدت المحاكم الأميركية أحكام إدانة مكثّفة بـ11 تهمة موجهة لشخص واحد، في غضون 12 ساعة مقسّمة على يومين. صاحب الرقم القياسي كان، طبعاً، مصطفى كامل مصطفى، 56 عاماً، المعروف بأبو حمزة المصري الذي دانته هيئة من المحلفين في المحكمة الفيدرالية بنيويورك، والذي يُتوقع أن يواجه، وهو الإمام السابق الذي يحمل الجنسية البريطانية، السجن المؤبد في حكم سيصدر في التاسع من سبتمبر/ أيلول المقبل.
وتتركّز التهم حول ثلاثة محاور، أولها دعم الإرهاب وتقديم المساعدة لخاطفي 16 سائح غربي، قتل أربعة منهم، في اليمن خلال عام 1998، أثناء عملية لإنقاذ السياح نفذها الجيش اليمني. ومن بين الأدلة التي سيقت ضده شراؤه جهاز اتصال (ساتالايت) وتعبئته بقيمة خمسة آلاف جنيه استرليني، تبيّن لاحقاً أن المختطفين في اليمن استخدموه في اتصالات جرت في ما بينهم. كما أنهم، وبحسب الادعاء الأميركي، قاموا بالاتصال من الجهاز نفسه بأبي حمزة.
ومن التهم التي دين فيها الرجل، تدريب "المجاهدين"، بين عامي 1999 و2000، في ولاية أوريغون، شمال غرب الولايات المتحدة، شبيهة بتلك التي أسسها تنظيم القاعدة في أفغانستان. وتفيد تقارير أميركية أن أبو حمزة كان قد انتقل للعيش والتدرب في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وكان يدعم "المجهادين" الذين حاربوا الاتحاد السوفياتي آنذاك. ويعتقد أن أبو حمزة فقد ذراعيه وعينه خلال تلك الفترة. لكنه ينفي هذه الرواية ويدعي أنه فقدها خلال عمله كمهندس في مشروع مع الجيش الباكستاني في لاهور.
أما المحور الثالث من لائحة الاتهامات، فهو خرق الحظر المفروض على حركة طالبان وتقديم الدعم لعناصر من القاعدة. وفي هذا الصدد تقول السلطات الأميركية إن المسجد الذي كان أبو حمزة إمامه في لندن، كان مكاناً لتدريب متطرفين، من بينهم زكريا موسوي، المتهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وكذلك ريتشارد ريد، الذي حاول أن يفجر حذاءه على متن إحدى الطائرات المتوجهة من باريس إلى ميامي عام 2011.
ونفى أبو حمزة جميع الاتهامات الموجهة ضده، وصرح محاميه بعد صدور الحكم قائلاً إن هيئة المحلفين أصدرت حكمها "بناءً على آرائه التي عبّر عنها، حول هجمات 11 سبتمبر، ومواضيع أخرى في المداولات، وليس بناءً على أفعاله". كلام ينفيه المدعي العام الذي رأى أن قرار المحلفين جاء بناءً على شهادات وأدلّة دامغة. وكان أبو حمزة قد سُلِّم إلى الولايات المتحدة عام 2012 من أجل محاكمته التي بدأت قبل حوالى الشهر.
وأثارت قضيته جدلاً في الولايات المتحدة وبريطانيا حول كيفية محاكمته ونوع القضاء الذي يجب أن يمثل أمامه، تحديداً هل تكون محكمة مدنية تعتبره متهماً جنائياً، أم عسكرية باعتباره مقاتل حرب؟ وكانت بريطانيا قد اشترطت مثوله أمام محكمة مدنية قبل تسليمه.
والمصري مولود في الاسكندرية عام 1958. درس الهندسة قبل أن يهاجر إلى بريطانيا عام 1979. عمل في البداية مديراً لأحد نوادي التعرية، وفي مهن أخرى، بحسب شهادته في المحكمة الأميركية. أكمل تحصيله الجامعي في بريطانيا في الهندسة المدنية، وعمل في الأكاديمية العسكرية في ساندهرست. تزوج من بريطانية انفصل عنها لاحقاً، وله سبعة أطفال من زيجة لاحقة. عمل أبو حمزة إماماً لمسجد فينسبري بارك في لندن، واشتهر بخطبه النارية التي تحرّض على الكراهية ضد الديانات الأخرى كالمسيحية واليهودية، وتحثّ أنصاره على قتل "الكفار"، لذلك قررت محكمة بريطانية سجنه لمدة سبع سنوات.
يذكر أن هذه هي القضية الثانية التي يكسبها ممثل الإدعاء في مانهاتن، بريت بارا، في الأشهر الثلاثة الأخيرة، في ما يتعلق بالإرهاب. وكانت هيئة أخرى من المحلفين قد دانت، في مارس/ أذار، سليمان أبو غيث، وهو زوج إبنة أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الذي اغتالته الولايات المتحدة عام 2011.