أبو شكري لا يبالي بقرار بوتين

20 مارس 2016
الحياة اليومية الصعبة في كاليه (فيليب هوغوين/ فرانس برس)
+ الخط -

تلقّت دول العالم خبر انسحاب القوّات الروسية من سورية بذهول، واختلفت تعليقات الإعلام حوله مع تناولها آراء الدبلوماسيين والمحللين. لكنّ الطرف الأكثر تضرراً، وهو قسم لا يستهان به من الشعب السوري، تهجّر وقتل وتشرّد، لم نسمع رأياً له عن موقفه حيال تبدّل الأمور ومدى تأثير انسحاب الروس عليه، وهم الذين شاركوا في ما يعانيه من مآس.

"لم يبق لي شيء في سورية، إذا رجعت سأموت من الجوع.. مهما حصل، لم يعد يهمني" يعلق أبو شكري لـ "العربي الجديد"، عبر الهاتف، من مخيّم الغابة في كاليه الفرنسية على الحدود البريطانية حول انسحاب الروس. يتابع أنّ منزله دمّر بصاروخ، ومات شقيقاه وشقيقا زوجته، كما أصيب أحد أبنائه بكسور في ساقيه وذراعيه أدت إلى إعاقته.

لجأ أبو شكري، السوري الجنسية، من درعا إلى لبنان مع عائلته. سكنوا في مخيّم في عرسال (شرق). لكنّ وجودهم هناك لم يخل من تهديدات مؤيّدي النظام السوري وحلفائه في لبنان. يقول إنّهم هربوا من هناك وراحوا ينتقلون من مكان إلى آخر. بعدها غادر لبنان مع أحد أبنائه (18 عاماً) إلى كاليه، أملاً في الدخول إلى بريطانيا، على أن يقدّم بعدها طلب لمّ شمل لبقيّة أفراد عائلته إذا جرت الأمور بحسب ما خطّط لها.

يبدو أبو شكري كمن يتعلّق ببصيص من الأمل وهو يروي مأساته لـ "العربي الجديد". يتحدّث عمّا يعانيه من أمراض تمنعه من العمل. من ذلك إصابته بديسك في الرقبة، ومرض في القولون، والبواسير وغيرها. كما يتحدث عن إصابة ابنه الذي يرافقه بالتهاب في الأذن بسبب الجراثيم المنتشرة في مخيم الغابة في كاليه، ودخان الحرائق التي تشتعل هناك باستمرار. يقول إنّ الأطبّاء لم يجدوا حلاً لمشكلة ابنه حتّى فقد سمعه. يتحدث عن محاولاته للتسلّل إلى بريطانيا في الشاحنات، التي باءت جميعها بالفشل. كما تعرض للضرب بالعصي والإهانات كلّما وقع في قبضة الشرطة الفرنسية.

وعن عائلته في لبنان، يقول أبو شكري إنّ لديه أربعة أولاد وبنتين يعيشون مع والدتهم، وبالكاد يحصلون على مساعدات إنسانية، يصفها بـ "المساعدات الكاذبة". يستغيث أبو شكري بالمنظمات الإنسانية، ويرجوها أن تمدّ له ولعائلته يد العون. يقول إنّ وضعه تعيس سواء في لبنان أو سورية أو فرنسا، وقصّته تصعب على من به ذرة إنسانية. وبصوت حزين يائس يرجو: "لا تهملي قضيتي أرجوكِ.. أوصلي صوتي إلى العالم، نحن بحاجة إلى المساعدة".

اقرأ أيضاً: تعرف إلى طريقة "داعش" في غسل أدمغة الأطفال

في المقابل، يقول ماجد (اسم مستعار) من حمص، إنّه دفع مبالغ ورشاوى حتّى وصل إلى المطار وسافر. لم تختلف رحلته عن غالبية المهاجرين السوريين الذين عبروا إلى اليونان وهنغاريا وألمانيا. بدوره، وصل إلى كاليه حيث التقى أبو شكري. لكنّ الحظ، حالف ماجد (33 عاماً) الذي تمكّن من الوصول إلى بريطانيا بعدما تسلّل إلى صندوق الحقائب في إحدى الشاحنات. يقول: "كنت أسمع دقّات قلبي من الخوف عندما داهمت الشرطة الشاحنة وفتحت الباب. انزويت خلف البضائع، وتمنّيت لو أختفي". كانوا عشرة مهاجرين اعتقلت الشرطة سبعة منهم.

ما إن وصل ماجد إلى بريطانيا مع رفيقيه، حتّى طرقوا باب الشاحنة ليفتح لهم السائق، الذي انهال عليهم بالضرب والشتائم حين رآهم. لم يبالوا به، فحلمهم بالوصول إلى بريطانيا تحقّق، وكانت فرحتهم أكبر من أن يكترثوا لغضب سائق الشاحنة.

يقول ماجد: "رحنا نرقص في الشوارع كالمجانين ونغنّي، وسألنا أحد المارّة: أين نحن؟". يبتسم ماجد ويكمل: "لم نفهم اسم المنطقة التي كنّا فيها، فسألنا: في أيّ بلد نحن؟". يضيف أنّ الرّجل الذي تحدّث إليهم اعتقد للوهلة الأولى أنّهم سكارى، لكنّهم شرحوا له وضعهم.

يمكث ماجد منذ أربعة اشهر في أحد الفنادق المخصّصة لطالبي اللجوء في مدينة كرويدن جنوب العاصمة البريطانية لندن، بعدما توجّه إلى أقرب مركز للشرطة وأبلغه بأنّه طالب لجوء. أمضى ليلة واحدة في مركز الشرطة، واستلمه في اليوم التالي موظفون من وزارة الداخلية. ينتظر ماجد قرار نقله إلى منطقة خارج لندن، واتخاذ القرار بشأن طلب لجوئه.

وعن قرار الرئيس الروسي بالانسحاب من سورية، يقول إنّها مسألة مصالح سياسية وتوزيع مكاسب بين الأطراف المشاركة في لعبة الحرب في بلده الذي تحوّلت الكثير من قراه ومناطقه إلى كومة من الحجارة والدمار. يتابع أنّ معظم السوريين الذين تشرّدوا وهاجروا وعبروا رحلة الموت للوصول إلى برّ الأمان والاستقرار، وفقدوا أقرب الناس إليهم، لن يعودوا إلى بلدهم مهما آلت إليه الأمور.. على الأقل في المدى القريب.

اقرأ أيضاً: تعديلات لصالح اللاجئين في مراكز الترحيل البريطانية
المساهمون