لن ينسى سكّان حي الشجاعية في قطاع غزة المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حقهم، بعدما حاصرهم على مدى أسبوع كامل بمدفعياته وطائراته، ما أدى إلى سقوط 74 شهيداً وآلاف الجرحى. في ذلك الوقت، وصفت وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمات حقوقية ما حدث بـ "الإبادة". وأحدث القصف دماراً كلياً وجزئياً في غالبية مباني الحي الذي يعد أحد أهم أحياء غزة التاريخية.
هذه المجزرة كان لها وقعها على عائلة أبو شنب، خصوصاً الابن الذي تحدّى آلامه على مدى أربع سنوات، وتخرج قبل أيام قليلة في الجامعة، حاملاً مأساة كل ما عاشه خلال المجزرة واستشهاد جدته وعمه أمام عينيه، وهو يحمل شقيقته الصغيرة هارباً من قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات الحربية.
علي أكرم أبو شنب (21 عاماً)، تخرّج من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية قبل أيام بدرجة امتياز، وحلّ الأول على دفعته بتخصّص علاقات عامة وإعلان، واعتبره كثيرون الطالب المثالي في الجامعة هو الذي خرج من تحت الأنقاض خلال مجزرة الشجاعية ليتابع حلمه في إتمام دراسته.
تسكن عائلة أبو شنب شرق حي الشجاعية، ويبعد منزلها كيلومترين من الحدود الشرقية، حيث يتمركز جنود الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ بداية العدوان، كانت الدبابات قريبة من منزلها، وكان أفرادها يسمعون أصوات المدفعيات والطائرات في المنزل، ما أرعب الأطفال. يستذكر أبو شنب كيف كانوا يعيشون بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، حين يفرض عليهم حظر التجوال مع غروب الشمس، وتبدأ أصوات القصف والمدفعيات ومعها أصوات الأطفال التي لا يمكن إسكاتها بسبب الرعب. لم يكن لدى كثيرين بديلاً من اللجوء إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
يقول أبو شنب لـ "العربي الجديد": "في ذلك اليوم، صلّينا في مسجد المرابطين، لأن المسجد الآخر وهو التوفيق، كان مهدداً بالقصف. وفي عصر اليوم نفسه، خرجت شقيقتي لرمي كيس القمامة على مقربة من الشارع الشرقي. وبعد أقل من ساعة، قصفت المنطقة التى ترمى فيها النفايات، وكانت الشظايا قريبة من منزلنا. بقينا في الداخل لنحمي أنفسنا، وكان معظم سكان المنطقة قد رحلوا".
يوم السبت في 19 يوليو/ تموز في عام 2014 هو "السبت الأسود" بالنسبة إلى الغزيين. في هذا اليوم، جاءت جدة أبو شنب عزيزة لتناول طعام الإفطار في منزلهم مع بقية أفراد العائلة. وعند أذان المغرب، بدأت قذائف مدفعيات الاحتلال تسقط على منطقتهم بشكل عشوائي، مثل "كتل حمراء تتناثر في الشارع". إحدى القذائف أصابت شقة عمه العلوية، ونجا عمه منها.
بقيت عائلة أبو شنب داخل المنزل لمدة أربعة أيام تحت الحصار والقصف، وكان أفرادها يحاولون عدم الدخول إلى المرحاض والمطبخ نظراً لقربهما من الشارع، وخوفاً من إصابة أحدهم بأذى. لكن إحدى القذائف أصابت شقيقته الكبرى، ما اضطرهم للنزول إلى أسفل المنزل، ثم الهرب.
اتفق والد علي مع العائلة على تقسيم أنفسهم إلى ثلاث مجموعات ليهربوا ويحموا أطفالهم. ضم القسم الأول والده وأمه ومجموعة من الأطفال، والقسم الثاني ضمّ شقيقتيه الكبيرتين وأطفالاً آخرين، والقسم الثالث ضمه وعمه وجدته وشقيقته سجى التي كانت تبلغ من العمر 7 أعوام. كان يغادر حين اكتشف أن شقيقه صابر لحقهم وكاد ينساه، ثم قصف سطح المنزل بصاروخ طائرة استطلاع، فاختبأ وحاول الفرار وهو يمسك بيد شقيقته سجى.
بدأ أبو شنب يفر من بين الركام هو وعائلته، وكانوا جميعاً حفاة. بعدما مشى قليلاً، لاحظ أن جدته وعمه قد سبقاهم، ثم لاحظ أن جدته وقفت فظن أنها أصيبت بقدمها. صرخ على عمه، لكن قصف منزل يعود لعائلة فرحات، أدى إلى انهياره فوق جدته وعمه ليصاب بصدمة. لكنه تابع الهرب فوق المبنى المهدم وجثتي جدته وعمه، كما يقول.
ويوضح أبو شنب: "كان والدي يريد تأمين خروجنا بأقل خسارة للأرواح. لكن بعد انتهاء العدوان، كان قد قضى منا اثنان هما جدتي وعمي، وبقي 15 أحياء". يضيف: "حين وجدت هاتفاً نقالاً، اتصلت بوالدي ولم أخبره من استشهد إلا بعد يومين من نجاتنا، وتواصل معي المسعف عبد الرزاق البلتاجي ليدلنا على طريق الأمان. لكن هذا المسعف أيضاً استشهد بعد أيام من إنقاذه لي".
استشهدت جدة أبو شنب عزيزة، التي كانت تحفظ القرآن الكريم، عن عمر 73 عاماً، وعمه عبد الكريم استشهد عن عمر 41 عاماً. بعد انتهاء العدوان، كان الشاب يعاني من صدمة نفسية كبيرة، وأنهى دراسته الثانوية بمعدل ضعيف. لكنه استعاد عافيته بعدما قرر تحدي الذكريات الأليمة ودخول مجالاً يمكّنه من العمل في حقل الإعلام حتى يوثق لحظات الانتهاكات الإسرائيلية بعدما لم يستطع توثيق ما حدث معه.
وكان أبو شنب قد حصل في مسابقة للشعر الحر على المركز الأول على محافظة شرق مدينة غزة في عام 2014، وحصل على المركز الثالث في المسابقة نفسها في عام 2017. ويشارك الصحافيون في تصوير الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين المشاركين في مسيرات العودة الكبرى على الحدود الشرقية لقطاع غزة.