"سأغفر أي أخطاء، لكن علينا أن نعمل بجد حتى النهاية، وإذا آمنّا بأنفسنا سنصبح الأبطال فيما بعد. الملخّص يكمن في الإيمان، بالنفس، بالفريق، وبالمدرب في النهاية". هذه أولى كلمات دييجو سيميوني أثناء الحضور الأول له أمام لاعبي أتليتكو مدريد، ليقدم المدرب الأرجنتيني مع فريقه دروساً رائعة في القتال واللعب حتى آخر نفس ممكن، وكان آخر هذه اللقطات في ثمن النهائي أمام ليفركوزن، في مباراة لم تحسم إلا بركلات الجزاء.
فلاش باك
تفوق ليفركوزن على الأتليتي بامتياز في مواجهة الذهاب، عن طريق الضغط العالي المتعصب الذي فاز طوال التسعين دقيقة بين الفريقين. هذا هو أسلوب روجر شميدت، منذ أيام سالزبورج وحتى الآن، الرجل لم يتغير أبداً، لعب جماعي وضغط عالٍ بكامل أرجاء الملعب، مع لياقة حديدية وتجمع عددي حول كل كرة في نصف ملعب "الروخيبلانكوس".
للهروب من كماشة الضغط، يجب الحفاظ على الكرة في المناطق الضيفة، بالإضافة إلى البحث الدائم عن الـ Third Man أو الرجل البعيد عن الرقابة، لذلك تكمن أهمية الكرات الطولية في مثل هذه المباريات. لكن خروج ساؤل وسيكييرا أثر على خطط سيميوني، وغياب كوكي كان قاتلاً، بالإضافة الى ابتعاد توران عن مستواه، لذلك فشل الفريق في إيجاد لاعب قوي وسريع بعيداً عن الرقابة، ولم ينجح في إخراج الكرات من الخلف بطريقة سليمة، لذلك سيطر ليفركوزن على كل مجريات اللعب.
كل لقطة وكل هجمة ألمانية، نجد شالانولو، سون، درميتش، بلعربي في مربع ضغط واحد على حامل الكرة من الأتليتي، لذلك ظهر تياجو وحيداً وتم فصله تماماً عن بقية الفريق، وبالتالي أغلقت كل زوايا التمرير أمام ارتكاز الروخيبلانكوس، وطبق شميدت أفكاره الراديكالية على ملعبه بامتياز، لذلك جاءت مواجهة الإياب على صفيح ساخن، منذ مباراة الذهاب في الأراضي الألمانية.
العودة مغايرة
ونتيجة لسيناريو الذهاب، وضع دييجو سيميوني خطة مغايرة في الإياب، من أجل محاولة العودة على أرضه ووسط جماهيره، لذلك اختار الأرجنتيني خطة هجومية بعض الشيء، وراهن على تكتيك 4-1-3-2، بوجود ماريو سواريز في خانة الارتكاز أمام رباعي الدفاع، مع وجود كوكي في العمق الهجومي بين كل من روبين كاني وأردا توران، بينما حافظ الخط الهجومي على هيبته بالثنائي جريزمان وماندزوكيتش.
بينما حافظ شميدت على نفس الهيكل الأساسي، خطة 4-2-3-1 دون أي تغيير، رباعي خلفي على خط واحد، أمامه ثنائي محوري، كاسترو وبيندر في العمق، لتدعيم ثالوث الهجوم، سون، بلعربي، شالانولو، والمهاجم المتقدم درميتش. لذلك جاء الشوط الأول متوازناً إلى حد كبير، لكن مع اختفاء الهفوات القاتلة التي عانى منها الفريق الإسباني في مرحلة الذهاب، والسر في الضغط العالي بأكثر من خمسة لاعبين في الثلث الأخير، وبالتالي ضرب الشولو منافسه روجر بنفس سلاحه القوي.
فشل الفريق الألماني في إخراج الكرة بسهولة من الخلف للأمام، ونجح الأتليتي في تقليل نسبة التمريرات المقطوعة، بسبب مهارة سواريز في الاحتفاظ بالكرة، والدعم غير المحدود من الكابتن كوكي، الجناح المركزي الذي ترك الطرف لزميله كاني، ودخل في العمق معظم فترات اللعب. وعندما حافظ أصحاب الأرض على نظافة شباكهم، جاء الهدف من كرة مباغتة، وكأن القدر يعيدهم إلى الأجواء، بتسديدة ماريو التي أعادت المواجهة إلى نقطة البداية.
سيناريو متقارب
يُعرف الشوط الثاني دائماً بأنه صراع المدربين، لذلك حاول كل جانب وضع بصمته الخاصة، وتغيير دفة اللعب لصالح فريقه، فليفركوزن عانى من ضغط أتليتكو، ولم ينجح أبداً في بناء هجمة سليمة، لذلك لجأ شميدت إلى حله المعروف، الكرات الطولية إلى الأمام، مع الضغط السريع من أجل المبادرة، وكيسلينج هو رجل هذه المهام، وبالتالي نزل سريعاً مكان درميتش، ثم سيمون رولفز لتقوية خط المنتصف أمام الهجوم المدريدي، والتسديد من بعيد.
أما سيميوني فكانت حلوله معروفة إلى حد كبير، فروبين كاني استنفذ مجهوده سريعاً، وأصبحت الحاجة ضرورية لجارسيا، الجناح القوي في ألعاب الهواء، واللاعب الذي يساهم في الحصول على التمريرة الأولى، وفتح اللعب أمام الثنائي المتقدم، ثم دخول النينو توريس للاستفادة من خبرته العريضة بدلاً من غير الموفق ماندزوكيتش، ليكون عنوان الدقائق الأخيرة، كلسينيج أمام راؤول، والحسم في الهواء.
ركلات الجزاء
مباراة أتليتكو وليفركوزن ذكرتنا بقمة البرازيل وشيلي في مونديال 2014، الضغط القوي واللعب السريع، والاندفاع البدني المتبادل بين الفريقين، لكن لا سيطرة مطلقة أو حيازة منظمة، وبالتأكيد كل هذه المقدمات تقودنا إلى نهايات غير مكتملة، وهذا ما حدث بالنص في ملعب فيستني كالديرون، لأن الفريقين لا يعتمدان أبداً على التسجيل من الهجوم الهادئ المنظم، بل عن طريق المرتدات، الكرات الثابتة، والضغط الخاطف الذي يسفر عن هجمة قاتلة على طريقة "الكونتر برسينج".
رقمياً. الاستحواذ كان متقارباً للغاية، 51 % لباير و 49 % للأتليتي، مع دقة تمرير ضعيفة، مجرد 62 % للألمان و 60 % للإسبان، لذلك كانت نتيجة التعادل هي الأنسب والأعدل عطفاً على الجولتين، ليأتي الحسم بركلات الترجيح، ويصعد وصيف النسخة المقبلة إلى ربع النهائي، مع خروج مشرف لمنافسه الشجاع، في مباراة أقرب لجولات الليبرتادوريس، حيث الاشتراكية الكروية في أعظم صورة لها، لا غالب مطلق، ولا خاسر سيئ.