ربما ليست مصادفة أن يتحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، عن ضرورة تفعيل "اتفاقية الدفاع العربي المشترك"، التي سبق توقيعها في العام 1950 ضد إسرائيل أساساً، من دون أن يتم تطبيق شيء منها عملياً منذ حينها. كلام تزامن مع حديث السيسي عن تشكيل قوى عسكرية عربية، حتى ولو من خارج إطار جامعة الدول العربية، "لمواجهة الإرهاب"، وخصوصاً في السياق الليبي وتطورات حرب سيناء.
اتجاه السيسي والعربي ينذر بأزمات كبيرة بين الدول العربية في إطار الحديث عن تشكيل قوى عسكرية عربية لمواجهة مجموعات مسلحة، من حيث الاختلاف حول طريقة التعامل مع الأزمات الداخلية في بعض البلدان العربية، بحسب خبير عسكري مصري.
كلام ضمّنه الأمين العام لجامعة الدول العربية، في تصريحاته قبل يومين، إذ قال إنه إذا كان هناك خلاف حول تشكيل القوة المشتركة فسيكون حول استخدام قوة عسكرية في حالة معينة، مشيراً إلى أن استخدام هذه القوى سيكون وفق كل مشكلة وحالتها، مشدداً على أنه سيتم الاتفاق على كل حالة بعينها على أن يتصدر الموضوع القمة العربية المقررة في القاهرة نهاية الشهر الحالي.
واعتبر دبلوماسي مصري أن "السيسي ربما فشل في توحيد الصف العربي حول تشكيل قوة عربية عسكرية بعيداً عن الجامعة العربية، فلجأ إلى التحدث عن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك"، مشككاً في نوايا بعض الداعين إلى تشكيل تلك القوة الجديدة أو تفعيل الاتفاقية لحل الأزمات.
يصعب تشكيل قوة عربية مشتركة في ظل الأزمات التي تمر بها الدول العربية، وتفكك أو ضعف أغلب جيوش تلك الدول. فجيوش سورية والعراق ولبنان وليبيا واليمن والصومال وموريتانيا، الموقعة على اتفاقية الدفاع المشترك في عام 1950، باتت في حالة سيئة بفعل الانقسامات والصراعات المسلحة في تلك البلدان. بيد أن ما يتبقى لا يصنف من "الجيوش القوية"، إلا في حالة مصر والسعودية، وهو ما يفتح مجالًا حول قوام تلك القوة العربية المشتركة الجديدة العتيدة، أو حتى تفعيل اتفاقية الدفاع القديمة.
مع ذلك، أعلن العربي اعتزامه إجراء مشاورات مع كل القادة العرب ومع رئيسي الدورة الحالية والمقبلة للقمة حول صون الأمن القومي العربي والحاجة إلى تشكيل قوة عربية لمواجهة الإرهاب والتحديات التي تتعرض لها المنطقة.
وقال: "إن طبيعة الحروب قد تغيرت ولم تعد عسكرية وفقط. على سبيل المثال، في عام 1950 وقعت معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي 7 دول وهي مصر والسعودية وسورية والعراق ولبنان واليمن.
ووفقاً للعربي، فإن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك يحتاج إلى اجتماع مشترك من وزراء الدفاع والخارجية، ومطلوب ضم كل من وزارتي الداخلية والإعلام إليهم لتوسيع صيغ التعاون. وأشار إلى ضرورة أن تكون الخطوة المقبلة عقد اجتماعات لهذه الوزارات وتحديد دور كل دولة وأن يتعاون الجميع، لأن الإرهاب موجود في المشرق والمغرب.
وعزز تصريحات العربي، حديث الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير فاضل جواد، بقوله إن "الجامعة تأمل في صدور قرار بتشكيل قوة دفاع عربية مشتركة، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، التي تم توقيعها من قبل الدول الأعضاء في الجامعة العربية في بداية خمسينيات القرن الماضي، خلال قمة شرم الشيخ يومي 28 و29 مارس الجاري".
وقال جواد: إن القمة العربية في دورتها العادية تكتسب أهمية كبرى، للتزامن مع تحركات الأمين العام للجامعة العربية من أجل بحث دعوة الرئيس السيسي والتشاور فيها مع الدول العربية لاستطلاع رأيها.
وأبرز نصوص اتفاقية الدفاع المشترك، المادة الثانية وتنص على: "تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قواتها، اعتداء عليها جميعاً، ولذلك فإنه عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدول أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء وإعادة الأمن والسلام إلى نصابها".
كما تنص على أنه: "تطبيقاً لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة، يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وما اتخذ في صدده من تدابير وإجراءات".
أما المادة المهمة الأخرى، فهي الخامسة وتنص: "تؤلف لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك وتهيئة وسائله وأساليبه وتحديده في ملحق هذه المعاهدة اختصاصات هذه اللجنة الدائمة في ذلك وضع التقارير اللازمة المتضمنة عناصر التعاون والاشتراك المشار إليهما".
يقول الخبير العسكري، اللواء عادل سليمان، إن اتفاقية الدفاع المشترك التي يتحدث عنها البعض باعتبارها المخلص من الأزمات التي تعاني منها الدول العربية، ليست على المستوى المأمول أو كما يتوقع البعض. وأضاف سليمان لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاقية ليس أشبه بالحلف الأطلسي مثلا، أو أي حلف عسكري آخر بين بعض الدول، لرعاية مصالحها.
وتابع: "إن الاتفاقية ليس معناها التدخل عسكرياً في بعض الدول العربية، وإنما هي مجرد تنسيق بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية".
وشدد على أن الاتفاقية منذ إطلاقها كان الهدف منها مواجهة الكيان الصهيوني، وبالتالي فالدول الأعضاء يمكنها بموجب هذه الاتفاقية التدخل لوقف العدوان الإسرائيلي على أي دولة عربية.
وأشار إلى أن الحاجة ظهرت لمثل هذه الاتفاقية عقب هزيمة 1948 وبالتالي كانت هناك حاجة لميثاق يسهّل التفاعل بين الدول الأعضاء للجماعة، وعددها لا يزيد عن ثماني دول تقريباً حينها في عام 1950. وحول الحديث عن تشكيل قوة عسكرية عربية، أكد أن هذا الأمر لن يجدي نفعاً، وإن كان نظرياً جيداً.
ولفت الخبير العسكري إلى أن تشكيل قوة عربية موحدة لن يشمل كل الدول الأعضاء بالجامعة العربية، وبالتالي هذا أمر غير مفهوم هدفه. وأضاف أنه إذا كانت القوى العسكرية الجديدة مكونة من بعض الدول، فمن الممكن أن تعمل لصالح هذه الدول، خصوصاً أن هناك عدم اتفاق على التدخل عسكرياً لحل أزمات المنطقة العربية. وشدد على أن هذه القوة ستشكل أزمة كبيرة بين الدول العربية، حيث إن التدخل العسكري العربي العربي يثير حساسية شديدة. وتوقّع ألّا يوافق مجلس الأمن على تأسيس مثل تلك القوة بغض النظر عن هدفها، لأنه لن يمنح تفويضاً أو موافقة لقوى عربية مهما حدث.
وعن التدخل المصري عسكرياً في ليبيا من خلال الضربات الجوية الأخيرة، أكد أن الاتفاقية لا تعطي مصر ولا أي دولة هذا الحق، نظراً لأن ليبيا لا تتعرض لعدوان، بيد أن هناك أزمات داخلية بين فصائل وتيارات متناحرة.
من جانبه، قال دبلوماسي مصري: إن اتفاقية الدفاع المشترك بالجامعة العربية ليست مفعّلة، نظراً لأنه لا يترتب عليه تشكيل قوة من كل الدول الأعضاء قائمة ومستمرة.
وأضاف الدبلوماسي - الذي طلب عدم ذكر اسمه - لـ"العربي الجديد"، أن اتفاقية الدفاع المشترك واجهة تنسيقية بين الدول الأعضاء بالجامعة العربية، وليس المقصود منها تشكيل قوة عسكرية.