لم تتوقف مفارقات الانتخابات الرئاسية المصرية، التي سيغلق ظهر اليوم الإثنين باب الترشح فيها، على المحاولات المحمومة للنظام للبحث عن منافس للرئيس عبد الفتاح السيسي، لضمان إجراء انتخابات في صورة تعددية، بدلاً من إجرائها بنظام الاستفتاء، للمرة الأولى، بمرشح واحد منذ عام 1999، وذلك بعد تراجع كل من خالد علي ومحمد أنور السادات عن الترشح، وحذف اسم رئيس أركان الجيش الأسبق، سامي عنان، من قاعدة بيانات الناخبين، ورفض حزب الوفد ترشيح رئيسه السيد البدوي.
فالمفارقات، التي بات وصفها بالمهازل أمراً متكرراً في تدوينات المراقبين على مواقع التواصل الاجتماعي، بلغت حداً غير مسبوق، بثبوت قيام النظام، عبر أجهزته الأمنية والتنفيذية وأذرعه المنتشرة في صورة نواب الأكثرية البرلمانية "دعم مصر" ورجال الأعمال المقربين، بتحرير توكيلات مصطنعة مدفوعة الثمن لمصلحة كل من خالد علي والسيد البدوي والمرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، تقدر بنحو 35 ألف توكيل خلال خمسة أيام فقط، لدفع واحد منهم على الأقل، بالقوة، لخوض الانتخابات ضد السيسي. مصدر في وزارة العدل كشف، لـ"العربي الجديد"، أن عدد توكيلات خالد علي كانت مستقرة عند 12 ألف توكيل تقريباً، حتى 22 يناير/كانون الثاني الحالي، وهي التوكيلات التي وثقها له مؤيدوه والمقتنعون ببرامجه والراغبون في منافسة السيسي بواسطة مرشح شاب يساري التوجّه. وجرى تسليم معظم هذا العدد لحملته بالفعل، لكن العدد زاد بشكل مفاجئ بالتزامن مع انشغال الوسط السياسي والإعلامي، وحتى المواطنين، بترشح عنان، ثم إصدار القيادة العامة للجيش بياناً ضده وحذفه من قاعدة بيانات الناخبين، لتصل توكيلات خالد علي إلى نحو 19 ألفاً.
أما صباحي فكان قد حصل حتى صباح 24 يناير/ كانون الثاني على عدد ضئيل، لا يتجاوز 50 توكيلاً، وثقها عدد من المواطنين المحبين لصباحي في مختلف المحافظات، على الرغم من أنه كان قد أعلن سلفاً عدم خوضه الانتخابات. ولكن بعد إعلان خالد علي انسحابه مخالفاً رغبة النظام في استمراره كمنافس متعثر في جمع التوكيلات، ولن يشكل خطورة على السيسي، تم حشد 13 ألف توكيل تقريباً لصباحي في يوم واحد، هو 25 يناير/ كانون الثاني، على الرغم من أنه كان عطلة رسمية وكانت بعض مكاتب الشهر العقاري المخصصة لعمل التوكيلات مغلقة. وأكد المصدر أن "الزيادة الكبيرة في عدد توكيلات صباحي ارتبطت بانسحاب خالد علي فقط، وتوقفت عند حاجز 13600 توكيل تقريباً، بمجرد إصدار صباحي بياناً نفى فيه بشكل قاطع ترشحه للرئاسة"، ما يؤكد حديث مصدر سياسي، لـ"العربي الجديد"، منذ أيام، عن تواصل مكتب السيسي مع صباحي، عبر وسطاء، لمحاولة إقناعه بدخول الانتخابات بواسطة حشد التوكيلات، بهدف طمأنته على قدرة الدولة على جمع التوكيلات له وعدم تعريضه للإحراج أمام الرأي العام. أما السيد البدوي، الذي كانت تجري محاولات لإقناعه بالمشاركة في الانتخابات، لكنه تهرب منها بعرض الأمر على الهيئة العليا لحزب الوفد التي رفضت ذلك، فعلى الرغم من أنه لم يخض يوماً أي انتخاب شعبي، ولم يحظ بأي منصب نيابي، فقد ظهر اسمه في توكيلات تأييد الرئاسة بشكل مفاجئ صباح 25 يناير/ كانون الثاني، الذي شهد تداول اسمه، للمرة الأولى، كمرشح محتمل. وخلال 24 ساعة فقط زاد العدد إلى 15 ألف توكيل تقريباً، على الرغم من أن البدوي لم يعلن ترشحه رسمياً، ولم يقم بأي دعاية انتخابية.
مصادر حزبية يسارية وليبرالية أكّدت أن ظاهرة استخدام "الشهر العقاري" (الإشهار العقاري، أو الدوائر الحكومية المنوط بها إجراءات التوكيلات) لإقحام السياسيين في قائمة الترشيح بالقوة، ظاهرة تفشت بشكل واضح في الانتخابات الحالية، وذلك للمرة الأولى منذ استحداث نظام التوكيلات الشعبية للترشح في عام 2012، وذلك بسبب السيطرة الكاملة لأذرع النظام، من نواب ورجال أعمال، على الشارع، وقدرتهم على حشد مئات الآلاف من المواطنين البسطاء، خصوصاً في الأماكن الأكثر فقراً، عبر دفع أموال تراوح بين 50 و200 جنيه للتوكيل الواحد، أو الوعد بتلبية بعض الاحتياجات الاجتماعية والمرفقية. كما كان للحشد المنظم من قبل أذرع النظام هدف آخر هو "إشغال وازدحام" مكاتب الشهر العقاري معظم أوقات اليوم، وإبطاء إجراءات التوكيلات بصفة عامة، لتقليل عدد التوكيلات غير المرغوب فيها للمرشحين المعارضين، أو حتى توكيلات المواطنين الخارجين عن السيطرة. وساعد في ذلك تواطؤ موظفي الشهر العقاري وأجهزة الأمن المكلفة بتأمين المكاتب، وسماحهم بعمل التوكيلات جماعياً ومن دون توقيعات أو بصمات شخصية في معظم الأحيان، بحسب المصادر الحزبية نفسها.
وشهدت الساعات الأخيرة إعلان رئيس نادي الزمالك النائب مرتضى منصور انسحابه من الانتخابات، على الرغم من ضمان حصوله على 20 تزكية نيابية، وذلك لأن السيسي على ما يبدو لم يكن متحمساً لأن يكون مرتضى هو منافسه الوحيد، وهو المعروف بتأييده السيسي، (وهو ما درج منصور على تكراره علناً حتى عندما ترشح في الانتخابات الماضية ضد السيسي مع إصراره حينها أن ترشحه لا يعني أنه ضد السيسي)، وبصداقته لمدير مكتبه عباس كامل، على الرغم من أنه كان مؤهلاً ليكون المرشح الثالث في الانتخابات حال دخول خالد علي للتقليل من قيمة الانتخابات وإضعاف المنافسة بها، كما يرى مراقبون. وإذا انتصف نهار اليوم الإثنين، من دون تقدم أي شخص بأوراق ترشحه للهيئة الوطنية للانتخابات، سيكون السيسي هو المرشح الوحيد لانتخابات الرئاسة، لتجرى بنظام الاستفتاء، للمرة الأولى منذ 19 سنة، عندما أجري آخر استفتاء منفرد على استمرار الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في الحكم، وفقاً لدستور 1971 قبل تعديله، والذي فاز فيه بولاية رئاسية رابعة لمدة ست سنوات، بنسبة تقترب من 94 في المائة، وبمشاركة زعمت الحكومة اقترابها من 19 مليون ناخب. وفي حالة الاستفتاء على استمرار السيسي لولاية رئاسية ثانية، فإنه سيكون فقط في حاجة لتأييد نحو ثلاثة ملايين صوت، تمثل نسبة 5 في المائة من إجمالي عدد الناخبين المقيدين في قاعدة بيانات الناخبين، علماً بأن التصويت سيجرى لثلاثة أيام كاملة من 26 إلى 28 مارس/ آذار المقبل.