أحزاب جزائرية معارضة تتمسك بالإعلان عن الشغور الرئاسي وتدعو إلى "الإنقاذ"

28 اغسطس 2017
علامات استفهام كثيرة بسبب الغياب المستمر لبوتفليقة (فرانس برس)
+ الخط -
تتمسك قوى وشخصيات سياسية معارضة في الجزائر بتقديرها لخطورة الوضع السياسي، وما تعتبره "حالة فوضى" تشهدها مؤسسة الرئاسة، ودعوتها إلى حركة تغيير سياسي لإنقاذ الدولة، برغم موقف قيادة أركان الجيش، ورفضها التدخل لمصلحة أطروحات قوى المعارضة.

وجددت أحزاب سياسية معارضة مواقفها الداعية إلى تفعيل المادة الدستورية 102، والتي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب الغياب المستمر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي منذ إصابته بوعكة صحية في إبريل/نيسان 2013، خاصة بعد الإقالات والتعيينات الحكومية المثيرة للجدل في الفترة الأخيرة، بعد قرارات مفاجئة بإقالة حكومة عبد المجيد تبون، عقب شهرين ونصف من تعيينها، وتنصيب حكومة جديدة بقيادة رئيس الديوان الرئاسي أحمد أويحيى.


عطفًا على ذلك، أصدر حزب "جيل جديد" المعارض بيانًا تمسك بهذا المطلب، جاء فيه أن "الأحداث السياسية الأخيرة أبانت للرأي العام أن رئيس الجمهورية في عجز جسماني وفكري يثنيه عن ممارسة مهامه". واعتبر الحزب أن "الحل للأزمة السياسية الخطرة التي تمر بها الجزائر مرهون بتفعيل إصلاحات سياسية ودستورية عميقة، تكون بدايتها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وانطلاقًا من خطورة الوضع، يتعين على الرئيس بوتفليقة الموافقة على تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة. للأسف، هو ليس بذلك الرجل الذي يقدّر مصالح البلد. العهدة الرابعة هي الدليل الدامغ لذلك. لم يبق إلا تفعيل المادة 102 من الدستور من أجل فك الانسداد".

وتنص المادة 102 من الدستور على أنه في "حالة استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه، بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع. ويعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معًا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويُكلّف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة، مدة أقصاها 45 يومًا، رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 104 من الدستور".



وطرح حزب "جيل جديد" ما يصفه "بمسار تأسيسي، يبدأ برحيل الرئيس بوتفليقة، وانتخاب رئيس يتوجب عليه تحمل إصلاحات حقيقية عميقة خلال عهدة انتخابية تكون بمثابة عهدة انتقالية من النظام الحالي إلى بناء فعلي لدولة القانون، عبر حوار واسع مع الطبقة السياسية والمجتمع المدني، يُتوج بعدها بتأسيس ندوة وطنية لمدة 6 أشهر إلى 12 شهراً، الذي يكون هدفه دستور توافقي جديد يُستدعى بعده الشعب للمصادقة عليه عبر استفتاء، ويعطي بذلك الأسس الأولى لجمهورية ثانية؛ تتضمن إنشاء محكمة دستورية مستقلة عن رئيس الجمهورية، واستقلالية القضاء عن الجهاز التنفيذي، وإعادة التوازن في توزيع السلطات التنفيذية، والتعزيز النوعي للسلطات الرقابية للبرلمان على الحكومة".

وأكد الحزب ذاته أن هذه الخطوات "تتبع المصادقة على الدستور بانتخابات تشريعية جديرة بالمعنى في السنة نفسها، تحت إشراف لجنة مستقلة عن الحكومة، وإعادة بناء الثقة بين الحكام والشعب".

وفي السياق ذاته، قال رئيس الحكومة الأسبق، ورئيس حزب "طلائع الحريات"، علي بن فليس، في خطاب ألقاه أمام كوادر حزبه، إن الانتخابات المحلية المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، "لن تخرج الجزائر من أزمة نظام الحكم، ومن الانسداد السياسي والمؤسساتي، ومن المستنقع الاقتصادي والاجتماعي، ومقتنعون بأن الخروج من الأزمة الشاملة والهيكلية والخطيرة السائدة في الجزائر تفرض علينا العمل لإنقاذ الجزائر الدولة والأمة".

ودعا ما وصفها بـ"القوى الحية للأمة لإيجاد حل للأزمة السياسية والمؤسساتية، وإنهاء حالة الوضع الراهن والجمود، وتقديم الحلول الحقيقية لمواجهة الإفلاس الاقتصادي والانهيار الاجتماعي ومعالجة الأزمة السياسية الشاملة". وأضاف: "إننا نعيش أزمة سياسية ومؤسساتية ذات خطورة استثنائية، ناتجة عن الشغور في رأس هرم الدولة؛ وندرك جيدًا بأن الانتخابات المحلية المقبلة لا يمكنها أن تكون أبدًا هي الحل لهذه الأزمة متعددة الأبعاد، ولهذا الانسداد السياسي".



وشدد بن فليس، الذي كان قد قاطع الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في الرابع مايو/أيار الماضي، على أن الانتخابات لم تعد تمثل أي إطار ممكن للتغيير السياسي في البلاد. وقال إن "الذين يتبنون خيار المشاركة، مثلهم مثل الذين اختاروا عدم المشاركة؛ يدركون ويعون جيدًا بأن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مثلها مثل التي سبقتها، ليست ولن تكون حاملة لأي حل للمعضلة الخطيرة السائدة في الجزائر".

وأضاف: "المعايير الديمقراطية المعروفة دوليًّا، والمطبّقة في كل الديمقراطيات الحقيقية، لا تتوفر في الاقتراع ببلدنا. نحن نعلم يقينًا بأن هذه الانتخابات، كسابقاتها، ستحمل العلامات الفاضحة للتزوير الانتخابي المشين. والهيئة المسماة عبثًا بالعليا والمستقلة لمراقبة الانتخابات لم ولن يساهما سوى في تعميق ممارسات وميكانيزمات الاحتيال السياسي الفظيع، والاغتيال السياسي- الإداري الساحق للاختيار الحر والجزائريين".

من جانبه وصف رئيس حركة "مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، عبد المجيد مناصرة، الوضع السياسي في البلاد بـ"الغامض والمرتبك"، خلال ندوة عقدت لمناقشة تطوّرات الظرف الراهن في البلاد.

وقال إن "هناك تآكلًا تدريجيًّا مستمرًّا للشرعية نتيجة لإفراغ الديمقراطية من محتواها التداولي، وإفراغ الانتخابات من محتواها التنافسي، وارتباك في القرار السياسي نتيجة لغياب دور المؤسسات الرقابية وتهميشها والاستخفاف بالرأي العام"، مشيرًا إلى "غموض في الرؤية الاستراتيجية إلى درجة انعدامها، ورهن الوضع برئاسيات 2019، وسط عجز اقتصادي نتيجة تبعية الاقتصاد للبترول، والخضوع للبيروقراطية المتغولة، واستشراء الفساد، وقلق شعبي متزايد نتيجة صعوبة الأوضاع مع تراجع المؤشرات الاجتماعية وارتفاع الأسعار، وقد تطور القلق إلى تخوف متوتر من التطورات المستقبلية".

ودعا رئيس الحركة إلى حوار سياسي شامل يبحث في تقييم الأوضاع، ويبحث في المعالجات الصحيحة، وإلى توافق وطني على خارطة طريق تعتمد الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وقال: "نمد يدنا للجميع، سلطة ومعارضة، من أجل الجزائر، وإنجاح التحول الديمقراطي، والنجاح في معالجة مشاكل الشعب، ومعارضتنا ليست مفاصلة ولا مصادرة ولا قطيعة أو مقاطعة؛ وإنما هي خادمة للديمقراطية. نمد يدنا من أجل إنجاح التحول الديمقراطي المتعثر وترميم صورة المؤسسات السياسية المنتخبة من أجل معالجة مشاكل الشعب".