هجوم على المدافعين عن حقوق الإنسان
التهم الموجّهة لمنصور من قِبل السلطات في أبوظبي، لا تنسجم وشهادة خبراء الأمم المتحدة الذين اعتبروا اعتقاله "هجوماً مباشراً" على عمل المدافعين عن حقوق الإنسان. وأكدوا في أكثر من بيان أن "عمل منصور في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بالديمقراطية، فضلاً عن تعاونه الشفاف مع آليات الأمم المتحدة، له قيمة كبيرة ليس فقط بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة بل للمنطقة بأسرها". وحث الخبراء السلطات على الكشف عن مكان وجود منصور، محذرين من أن احتجازه في مكان مجهول "يعرضه لخطر شديد من سوء المعاملة والتعذيب". كذلك دعا خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان الإمارات إلى إطلاق سراحه.
ضايقت السلطات الإماراتية منصور على مدار ست سنوات، وفي إبريل/نيسان 2011، احتجزته بسبب مطالباته السلمية بالإصلاح، والتوقيع على التماس بإجراء انتخابات عامة ومباشرة في الإمارات، وبمنح المجلس الوطني الاتحادي سلطات تشريعية. كذلك أدار منصور منتدى "الحوار الإماراتي" على الإنترنت الذي كان ينتقد السياسات الإماراتية وقادة البلاد.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 حكمت عليه المحكمة الاتحادية في أبوظبي بالسجن ثلاث سنوات بتهمة إهانة كبار مسؤولي الدولة في محاكمة اعتُبرت غير عادلة، إذ شابتها ثغرات قانونية وإجرائية. كذلك اتهمت السلطات منصور باستعمال منتدى "الحوار الإماراتي" في "التآمر على سلامة وأمن الدولة" وتحريض الغير على مخالفة القانون والدعوة لمقاطعة انتخابية ومظاهرات معارضة للحكومة.
في أغسطس/ آب 2016 أفادت منظمة "سيتزن لاب" ومقرها تورنتو، بأن منصور تلقى رسائل نصية مشبوهة على هاتفه الخليوي تعده بمعلومات عن المحتجزين المُعرضين للتعذيب في سجون الإمارات وتدعوه للنقر على رابط في الرسالة، وتبيّن في ما بعد أن الرابط كان عبارة عن فيروس متطور من إنتاج شركة برمجيات تجسس إسرائيلية تسمح للغير بالسيطرة على الهاتف عن بُعد وعلى كاميرا الهاتف، وبمراقبة تطبيقات التراسل على الهاتف، وبتعقب تحركاته.
خلفية الصورة المُظلمة
لا يخرج ما تعرّض له الناشط منصور عن سياق سياسات تمارسها سلطات في أبوظبي، لتغييب المعارضين، كما جاء في تقرير نشره موقع "بي بي سي" في إبريل/ نيسان 2015. وجاء في التقرير الموسع الذي أعده الباحث في سياسات الشرق الأوسط في "كلية الحكم والشؤون الدولية" في جامعة دورهام البريطانية، كريستوفر دافيدسون، أن دولة الإمارات التي تقدّم نفسها كواحدة من أكثر الدول استقراراً في الشرق الأوسط، مع سمعة دولية كمركز للأعمال والوجهات السياحية المثيرة، تخفي وراء هذا السحر واحات من اللاتسامح مع أي معارضة، وزنازين مليئة بالمئات من معتقلي الرأي.
وقال دافيدسون في مقال مطول على موقع "بي بي سي" الإلكتروني، بعنوان "وجهة نظر: الإمارات العربية المتحدة الغنية والمستقرة تسعى لتغييب المعارضة": "في منتصف فبراير/شباط، تم استدعاء ثلاث شقيقات إماراتيات، أسماء، مريم، واليازية السويدي، إلى مركز للشرطة في أبوظبي، ولم تتم مشاهدتهن منذ ذلك الحين. والسبب أنهن كن يغردن على موقع تويتر لدعم شقيقهن عيسى السويدي الذي يقضي حالياً مع آخرين كثيرين، حكماً بالسجن لمدة طويلة بسبب دوره المزعوم في مؤامرة انقلابية". ومضى الكاتب بالقول: "إن الإمارات التي تقدّم نفسها للعالم بصورة الدولة الأكثر استقراراً وثراءً، وتقدّم نفسها على صورة الدولة الليبرالية النموذجية في المنطقة، وتشغل وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة بترويج صور المشاريع العملاقة التي تدشنها، والأبراج المضيئة التي ترفعها، هي ذاتها الدولة التي تقمع المعارضين، وتعتقل في أقبية مظلمة الناشطين المطالبين بالعدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي".
وأضاف الكاتب: في عام 2013، جرت محاكمة 94 مواطناً من قبل محكمة منعت الصحافيين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان من الحضور. وحُكم على تسعة وستين رجلاً من بينهم عيسى السويدي وقضاة وأكاديميون وطلبة، بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً لجريمة "المساس بأمن الدولة"، وكان محمد الركن، المحامي المعروف، والذي كتب مقالات عن حقوق الإنسان في الإمارات، من بين هؤلاء. ومنذ ذلك الحين تم اعتقال العديد من الأشخاص الآخرين في ظروف يشار إليها عادة من قبل منظمتي "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" باسم "حالات الاختفاء القسري".
ومضى الباحث في سياسات الشرق الأوسط في جامعة دورهام البريطانية، إلى القول: على الصعيد الخارجي، فإن رد الإمارات على الربيع العربي يثير الدهشة أيضاً، فعلى مدى العامين الماضيين، اضطلعت بدور أكثر استباقية، للتدخّل في شؤون الدول العربية الأخرى، في دور يمكن وصفه بأنه "معادٍ للثورة"، إلى درجة فتح خزائن الدولة لتمويل تثبيت النظام العسكري في مصر بعد الانقلاب عام 2013.