13 نوفمبر 2024
أخبار وراءها أخبار
عندما كنا أطفالا، كان يثيرنا خبر الكلب الذي عضّ رجلا، وكنا نتلهف لسماع بقية الحكاية، ما الذي فعله الرجل، كي ينقذ نفسه من براثن الكلب، وما الذي حلّ بالكلب، وكنا نتشبث بثياب أمهاتنا كلما شعرنا بأن كلبا يقترب منا، كان مجرد عوائه من بعيد يزرع الخوف في أعماقنا. وعندما وضعنا أقدامنا على عتبة مهنة البحث عن الأخبار، عرفنا أن القارئ لا يهمه خبر الكلب الذي عضّ رجلا بقدر ما يهمه خبر الرجل الذي عضّ كلبا، وينتظر منا التفصيل، ما الذي دفع الرجل إلى ارتكاب هذه الفعلة، وهل كان يعاني من لوثةٍ في عقله، أم أراد مداعبة الكلب بعضّة حب وتودد، وماذا كانت ردة فعل الكلب؟ هل بادله عضّا بعض؟
بعد تجربة طويلة في عالم الصحافة والأخبار، وقضاء معظم عمرنا في البحث عن الرجال والكلاب معا، اكتشفنا أن الخبر الجدير بالاهتمام هو خبر "الرجل الذي عضّ رجلا"، وهو من نمط الأخبار التي عادة ما تختفي وراء أخبار أخرى، وقد لا تلفت الانتباه أول وهلة، ومهمة الصحافي الذكي أن يسترعي انتباه قرائه إليها، وهذا ما عناه بالضبط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إذ ضمّن كلمته في اليوم العالمي للصحافة (3 مايو/ أيار) نصيحته للصحافيين أن يقدموا إلى قرّائهم "الأخبار التي ينبغي أن يسترعى الانتباه إليها"، بحسب تعبيره، واعتبر ذلك جزءا من "حقنا في معرفة الحقيقة".
ووسط ركام الأخبار التي تتناسل على مدار الساعة يدفعنا "حقنا في معرفة الحقيقة" إلى البحث عن الأخبار التي تنبئ عن أخرى وراءها أكثر منها دلالةً وأهمية، تاركين للقارئ فرصة التأمل والتقرير، ونبش ما هو مستور إن أراد أن يداري لهفته، ففي معلومةٍ نقلها عراقي، عاش تجربة النزوح القسري من مدينته، إنه كان في مخيمه يتناول وجبة واحدة من الطعام كل يومين، وقد شاهد نساءً وأطفالا يعانون من الجوع على نحو مريع. وكنا عرفنا أن مسؤولين كبارا تورّطوا في فضيحة اختفاء تخصيصات إغاثة النازحين التي بلغت ملايين الدولارات، وإن تحقيقا قد فتح. لكن يبدو أن الناس نسوا الأمر، أو انصرفوا لتتبع فضائح غيرها.
ونقرأ عن ملفات تركها أحمد الجلبي، بعد رحيله، تتعلق بفضائح غسيل أموال، وتهريب عملة
أجنبية إلى خارج البلاد، جرى التعتيم عليها ونسيانها بعد تشكيل لجنة للتحقيق فيها منذ أكثر من سنتين. ومناسبة التذكير بها قبول ترشّح متهمين فيها لعضوية البرلمان، من دون اعتراضٍ، لا من القضاء، ولا من هيئة النزاهة. وفي تغريدة على موقع تواصل إشارة إلى أن تلك الملفات قد تكون هي التي عجلت برحيل الجلبي.
وثمّة خبر "طازج" عن تسلم رئيس الوزراء، حيدر العبادي، 1700 ملف فساد من فريق التحقيق الدولي لإحالتها إلى القضاء، وتاجيله إحالتها إلى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات، وعرف من بين تلك الملفات ما يخص وزراء ونوابا وموظفين كبارا.
ونترك العراق غارقا في حمى انتخاباته البرلمانية و"الحروب" الصغيرة القائمة بين لاعبيه السياسيين، لنعرج على فلسطين، خصوصا ونحن نستعيد، في هذه الأيام، ذكرى النكبة في عامها السبعين. وأمامنا قبضة أخبار تخص فلسطين وتتقاطع عندها: شروع الكنيست الإسرائيلي في مناقشة قانون "القومية اليهودية" الذي سيكون دستورا للدولة القومية للشعب اليهودي، كما أرادها هرتزل قبل أكثر من قرن، العودة إلى مشروع وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، لإقامة "سكة سلام إقليمي" تربط حيفا بمدن الخليج، إطلاق وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة على "فيسبوك" للتواصل والتقارب مع الشعب العراقي، و"إظهار وجه إسرائيل الحقيقي"، إقامة حفل كبير في الذكرى السبعين لتأسيس الدولة العبرية في سفارتها في القاهرة للمرة الأولى منذ عشر سنوات، اكتشاف مفكر سعودي (هكذا يطلق على نفسه) أن "إسرائيل عدو مضمون، لأنها لم تعتد على السعودية بخلاف إيران التي هي عدو مضمون، وجهت صواريخها باتجاه المملكة ودعمت جماعات إرهابية"، وقد اجتمعت بمصادفةٍ شريرة كل هذه الأخبار، ورب مصادفة شر من ميعاد.
وفي عالمنا العربي ما ينبغي استرعاء الانتباه إليه أكثر مما تم عرضه هنا، لكن الحيز المعطى صغير، وتدوين عينة أفضل من لا شيء.
بعد تجربة طويلة في عالم الصحافة والأخبار، وقضاء معظم عمرنا في البحث عن الرجال والكلاب معا، اكتشفنا أن الخبر الجدير بالاهتمام هو خبر "الرجل الذي عضّ رجلا"، وهو من نمط الأخبار التي عادة ما تختفي وراء أخبار أخرى، وقد لا تلفت الانتباه أول وهلة، ومهمة الصحافي الذكي أن يسترعي انتباه قرائه إليها، وهذا ما عناه بالضبط الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إذ ضمّن كلمته في اليوم العالمي للصحافة (3 مايو/ أيار) نصيحته للصحافيين أن يقدموا إلى قرّائهم "الأخبار التي ينبغي أن يسترعى الانتباه إليها"، بحسب تعبيره، واعتبر ذلك جزءا من "حقنا في معرفة الحقيقة".
ووسط ركام الأخبار التي تتناسل على مدار الساعة يدفعنا "حقنا في معرفة الحقيقة" إلى البحث عن الأخبار التي تنبئ عن أخرى وراءها أكثر منها دلالةً وأهمية، تاركين للقارئ فرصة التأمل والتقرير، ونبش ما هو مستور إن أراد أن يداري لهفته، ففي معلومةٍ نقلها عراقي، عاش تجربة النزوح القسري من مدينته، إنه كان في مخيمه يتناول وجبة واحدة من الطعام كل يومين، وقد شاهد نساءً وأطفالا يعانون من الجوع على نحو مريع. وكنا عرفنا أن مسؤولين كبارا تورّطوا في فضيحة اختفاء تخصيصات إغاثة النازحين التي بلغت ملايين الدولارات، وإن تحقيقا قد فتح. لكن يبدو أن الناس نسوا الأمر، أو انصرفوا لتتبع فضائح غيرها.
ونقرأ عن ملفات تركها أحمد الجلبي، بعد رحيله، تتعلق بفضائح غسيل أموال، وتهريب عملة
وثمّة خبر "طازج" عن تسلم رئيس الوزراء، حيدر العبادي، 1700 ملف فساد من فريق التحقيق الدولي لإحالتها إلى القضاء، وتاجيله إحالتها إلى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات، وعرف من بين تلك الملفات ما يخص وزراء ونوابا وموظفين كبارا.
ونترك العراق غارقا في حمى انتخاباته البرلمانية و"الحروب" الصغيرة القائمة بين لاعبيه السياسيين، لنعرج على فلسطين، خصوصا ونحن نستعيد، في هذه الأيام، ذكرى النكبة في عامها السبعين. وأمامنا قبضة أخبار تخص فلسطين وتتقاطع عندها: شروع الكنيست الإسرائيلي في مناقشة قانون "القومية اليهودية" الذي سيكون دستورا للدولة القومية للشعب اليهودي، كما أرادها هرتزل قبل أكثر من قرن، العودة إلى مشروع وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، لإقامة "سكة سلام إقليمي" تربط حيفا بمدن الخليج، إطلاق وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحة على "فيسبوك" للتواصل والتقارب مع الشعب العراقي، و"إظهار وجه إسرائيل الحقيقي"، إقامة حفل كبير في الذكرى السبعين لتأسيس الدولة العبرية في سفارتها في القاهرة للمرة الأولى منذ عشر سنوات، اكتشاف مفكر سعودي (هكذا يطلق على نفسه) أن "إسرائيل عدو مضمون، لأنها لم تعتد على السعودية بخلاف إيران التي هي عدو مضمون، وجهت صواريخها باتجاه المملكة ودعمت جماعات إرهابية"، وقد اجتمعت بمصادفةٍ شريرة كل هذه الأخبار، ورب مصادفة شر من ميعاد.
وفي عالمنا العربي ما ينبغي استرعاء الانتباه إليه أكثر مما تم عرضه هنا، لكن الحيز المعطى صغير، وتدوين عينة أفضل من لا شيء.