كلّ امرأة ترغب في إنشاء دار للحضانة أو "مركز لاستقبال الطفولة الصغيرة"، عليها امتلاك مؤهلات أو كفاءات في المجال التربوي، ومعتمدة من مديرية الولاية المكلفة بالنشاط الاجتماعي، وألا تكون من أصحاب السوابق قضائية.
في ظل تغيّر الظروف الاجتماعية واستقلال الأزواج في منازل خاصة بدلاً من العيش في البيت العائلي الكبير، تعاني نسبة كبيرة من النساء الجزائريات العاملات واللواتي أنجبن حديثاً. هاجس حياتهن اليومية هو عدم وجود نساء يثقن فيهنّ لضمان الرعاية لأطفالهن في أثناء وجودهن في العمل. ونظراً للحاجة إليها، راحت مهنة مجالسة الأطفال ورعايتهم تنتشر في السنوات الأخيرة.
وتستفيد بعض النساء اللواتي لا يخرجن إلى العمل، من انطلاق السنة الدراسية ومعاناة الأمهات العاملات اللواتي يبحثن عمن يرعى أطفالهن في غيابهن، فيستقبلن في غرف صغيرة في شققهن الضيقة أكبر عدد من الأطفال الصغار لرعايتهم، في مقابل مبلغ مالي يساعدهن في عيشهن.
وفي هذا الإطار، أطلقت بعض النساء في الأيام الأخيرة حملة واسعة النطاق عند أبواب المدارس والعمارات والمتاجر والمخابز ومقاهي الإنترنت والحمامات التي تشهد إقبالاً كبيراً من قبل النساء بمختلف شرائحهن الاجتماعية ومستوياتهن التعليمية. ورحن ينشرن إعلانات مع أرقام هواتفهن وعناوينهن. أما أخريات، فلجأن إلى نشر إعلانات في الصحف، في مقابل نحو ألف دينار جزائري (9.5 دولارات أميركية) للإعلان الواحد.
ونظراً لازدياد الطلب عليها، أصبحت مجالسة الأطفال أو تربيتهم حالياً، واحدة من المهن التي تُقبل عليها كثيرات. في الماضي القريب، لم تكن تتطلب مهارات ولا معارف كثيرة، وكانت تلجأ إليها بعض الشابات اللواتي لا يعملن وبمستوى دراسي متوسط. أما اليوم، فصارت مهنة تتطلب مستوى دراسياً مقبولاً نوعاً ما، بالإضافة إلى التدريب في هذا المجال. لذا فتحت بعض المدارس الخاصة أبوابها، لفائدة الراغبات في التخرج كمربيات أطفال. لكن كثيراً ما تمارس المربيات عملهن من دون مراعاة للمعايير التي تحدد هذا النشاط المهني. وعلى الرغم من استعداد الأهل لدفع المبلغ الذي تطلبه المربّية لقاء رعاية جيدة لطفلها، إلا أنها لا تضمن مستوى الخدمات المقدّمة. وأحياناً، يُضرب الطفل في حال ارتكب خطأ، ويُجبر على النوم طويلاً من دون القيام بأي نشاطات مفيدة. وقد تلجأ بعض المربيات إلى حيلة شراب السعال مثلاً ومفعوله المنوّم، لتقليص فترات نشاط الطفل إلى أدناها.
تخبر نبيلة "العربي الجديد" أنها كانت تترك ابنها الصغير (5 أشهر) مع مربية تسكن بالقرب من منزلها، "حتى أتمكّن من الالتحاق بوظيفتي. لكن بعد مدة، لاحظت أن سلوك ابني تغيّر، فلم يعد ينام ليلاً ولا يتوقّف عن البكاء. اعتقدت أنه يعاني من توعّك صحي. وعندما عرضته على طبيب، حذّرني من إعطائه الأدوية ذات المفعول المنوّم. وعندما سألت عدداً من الذين وضعوا أولادهم عند تلك المربية، عنها، أجابوني بأنها تلجأ إلى الأدوية المنوّمة كي لا تتعب نفسها مع الأطفال". تضيف أنها تنتظر بفارغ الصبر أن يبلغ صغيرها عامه الثالث، "لألحقه بإحدى رياض الأطفال. هناك، يكون على أقلّ تقدير في مكان مخصص لاستقبال الأطفال في مثل سنه، مع خدمات أوضح واهتمام أفضل".
تشير هنا الاختصاصية النفسية سليمة بوداية إلى أن "الأدوية المنومة التي تعطى للأطفال الصغار، لها تأثيرات جسدية ونفسية سلبية على نشاطهم، وكثيراً ما تتسبب بالإدمان فيصبحون غير قادرين على النوم إذا لم يتناولوها". وتنبّه بوداية في حديثها إلى "العربي الجديد"، إلى "خطورة ترك مهمة رعاية الأطفال لمربيات غير متخصصات وفي بيئة غير صحية. في هذه المرحلة المهمة من عمره، دون الثالثة، تتكوّن شخصية الطفل باكتساب ما يتلقنه في تنشئته الاجتماعية. وعلى الرغم من أن أمهات كثيرات يشعرن بعوامل الخطورة المحيطة بأطفالهن عند تركهم في الحضانات، إلا أنهن عاجزات عن إيجاد بديل يوفر بيئة آمنة لأطفالهن".
ولأن دور الحضانة باتت ضرورة في حياة الأمهات الموظفات، فقد تحوّلت تلك الخاصة إلى مصدر جديد لجني المال السهل، في ظل نقص المؤسسات الحكومية من هذا النوع وارتفاع عدد الأمهات العاملات، اللواتي لا يملكن خياراً آخر لترك أطفالهن الصغار خلال العمل. لكن العيوب الكثيرة التي تتضمنها، تؤثر سلباً على الأطفال. وقد انتشر عدد منها من دون احترام مقاييس الرعاية المعمول بها في المجال، في ملحقات المساكن وأقبية العمارات وفي محلات تجارية وشقق ضيقة لا تدخلها أشعة الشمس ولا تتلاءم إطلاقاً مع هذا النوع من النشاط. إلى ذلك، يأتي العمل فيها بإمكانات متواضعة. وتسفر تحقيقات فرق حماية الأحداث التابعة للدرك الوطني في كل عام، عن غلق عدد من دور الحضانة وروضات الأطفال لارتكابها تجاوزات ومخالفات غير قانونية، منها إنشاء بعضها في مستودعات غير مرخصة وغير مستوفاة للشروط.
اقرأ أيضاً: كابوس خطف الأطفال في الجزائر