قبل ثلاث سنوات، وأثناء مروره في أحد شوارع مدينة دوما، رأى أبو علي البيطار طفلاً يلعب بمخلفات الصواريخ. وبدل أن تبقى بقايا من أدوات الحرب، قرر أن يطورها مستغلاً خبرته في أعمال الحدادة لتستخدم لأغراض سلمية.
بدأ أبو علي الأربعيني الذي يعمل دهاناً، بجمع مخلفات الصواريخ حيثما وجدها، وتمكن من تجميع حوالي "40 إلى 50 صاروخاً"، على حد قوله.
وفي أحد شوارع دوما، يجلس أبو علي على كرسي إلى جانبه طفل يتمرجح في لعبة على شكل صاروخ أحمر اللون، ويروي "في البداية اعتبرني الجيران مجنوناً فلم يكونوا يدرون أني أصنع الألعاب للأطفال، وكانت المفاجأة حين خرجت عليهم في أحد الأيام محمّلاً بالأراجيح".
ويضيف "بعد ذلك، بدأ الناس بتشجيعي وبات الفلاحون يحضرون لي أي مخلفات لصواريخ أو قذائف هاون تسقط على أراضيهم".
وتعد دوما، منذ العام 2013، معقلاً للفصائل المعارضة والإسلامية في الغوطة الشرقية قرب دمشق.
وفي ظل الحصار الخانق من الجيش السوري، ابتكر سكان دوما ألعاباً وسلعاً عديدة بديلة للتأقلم مع وضعهم الجديد.
وشكلت القذائف مصدر إلهام بعضهم، فعمد أحدهم إلى الرسم عليها لتتحول قذيفة الهاون إلى تحفة فنية يشتريها الأحباء هدية بدلاً من بضائع ومنتجات غابت عن الأسواق.
وتحولت سياسة الحصار، خلال سنوات النزاع السوري، إلى سلاح حرب رئيسي تستخدمه الأطراف المتقاتلة كافة. ويعيش، بحسب الأمم المتحدة، نحو 600 ألف شخص في 19 منطقة محاصرة في البلاد التي دمرتها الحرب، 452 ألفاً و700 شخص منهم يحاصرهم الجيش السوري، خصوصاً في ريف دمشق.
وتنعم دوما حالياً بالهدنة المعلنة، منذ أيام، بموجب اتفاق أميركي روسي، ما سمح للأطفال والعائلات بالخروج من منازلهم والتنزه.
وفي أحد أحياء المدينة، تلعب حنين الطفلة البالغة من العمر عشر سنوات بالأراجيح وهي التي فقدت يدها اليمنى بصاروخ أطلقته طائرة حربية واستهدف سوقاً كانت في طريقها إليه.
والى جانبها، تعرب غدير (تسع سنوات) عن فرحتها بالأراجيح، وتقول "عمو أبو علي حوّل لنا الصواريخ إلى أراجيح لكي يفرحنا".
تأخذ الأراجيح التي يصنعها أبو علي أشكال الصواريخ، وهي ملونة بالأحمر والأزرق والأصفر والأخضر.
ويقول أبو علي "الفكرة بدأت من الطفل وإن شاء الله تكون سعادة للطفل".
ترك الأطفال، وفق أبو علي، الأراجيح العادية "وباتوا يركضون للعب بتلك المصنوعة من صواريخ".
ويضيف "هذه براءة الأطفال، فالطفل لا يعرف أن هذا الصاروخ الذي يلعب عليه ويفرح به هو ذاته الذي ألقته طائرة ميغ".
ويخلص بالقول "هذه هي المعادلة المستحيلة، أن يتحول شيء هدفه القتل إلى لعبة يفرح بها الأطفال".
يأمل أبو علي بعد انتهاء الحرب أن يخرج أراجيحه لعرضها في الدول الأوروبية، أو أن "يأتوا إلينا في الغوطة الشرقية ويروا الأراجيح تتحول إلى تحف".
وللفرار من القصف، أنشأ سكان مدينة عربين (جنوب دوما) الملاهي للأطفال ولكن في قاعات تحت الأرض ليتيحوا لهم اللعب دون خوف.
ويقول حسان، مدير فريق "ملهم" التطوعي، "بسبب القصف على الغوطة الشرقية، أجبرنا على استئجار أقبية تحت الأرض مجهزة بصالات ألعاب كاملة ومسرح لنفرّح الأطفال".
وتتعرض المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية منذ العام 2013 وبشكل شبه يومي للقصف المدفعي والجوي، ما أسفر طوال هذه السنوات عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى.