أربع سنوات مرّت على الثورة التونسية، من دون أن تتحقّق العدالة للشهداء الذين سقطوا بين قتيل وجريح في تلك الفترة، بسبب عوامل متعدّدة أدت إلى تبرئة عدد من المتهمين أو إصدار أحكام مخفّفة بحق آخرين.
وتؤكد مديرة مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس آمنة القلالي لـ"العربي الجديد"، أن المنظمة أصدرت بمناسبة مرور أربعة أعوام على الثورة تقريراً حول المحاكمات العسكرية لجرائم القتل التي حصلت أثناء الانتفاضة اعتبرت فيه أنه على الرغم من مرور كل هذه المدة فإن العدالة ما زالت غائبة.
وتوضح القلالي أن "جهود تونس في محاسبة المسؤولين عن جرائم القتل التي ارتُكبت أثناء الانتفاضة، واجهت مشاكل قانونية وأخرى أثناء التحقيق، جعلتها تفشل في تحقيق العدالة للضحايا"، مشيرة إلى أنه باستثناء عقوبة السجن المؤبد التي صدرت في حق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي ما زال يعيش خارج البلاد، "أسفرت المحاكمات العسكرية المطوّلة عن عقوبات مخفّفة وأحكام تبرئة للمتهمين بقتل المتظاهرين".
واستعرض التقرير الذي جاء تحت عنوان "المحاسبة المختلة: أوجه القصور في محاكمات جرائم القتل أثناء الانتفاضة التونسية"، تحليلاً للجهود التي بذلتها تونس لتحقيق العدالة بحق المسؤولين عن استخدام الشرطة للقوة المفرطة بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 يناير/كانون الثاني 2011، عندما ترك بن علي السلطة وفرّ من تونس.
وخلال تلك الفترة، قُتل 132 متظاهراً وأصيب مئات الآخرين بجروح. وبلغ العدد الإجمالي للمتهمين 53 شخصاً، عُرضوا جميعاً على المحاكمة في أواخر العام 2011، ومنهم وزيران سابقان للداخلية ومسؤولان في الوزارة نفسها، إضافة إلى المتهم الرئيس بن علي الذي حُوكم غيابياً. وبسبب الاعتماد على تشريعات قديمة، لم تقم السلطات الجديدة بتعديلها، تمت جميع المحاكمات في محاكم عسكرية.
واعتمد تقرير "هيومن رايتس ووتش" على عدد كبير من المقابلات مع محامِي الضحايا وعائلاتهم، ومع أشخاص من منظومة القضاء العسكري، وعلى تحليل معمّق لوثائق المحكمة، بما في ذلك الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف العسكرية في 12 يناير/كانون الثاني 2014.
وتؤكد القلالي في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن المحاكمات تميّزت "بأوجه قصور متعددة، ففي مرحلة التحقيق فشل الادعاء في جمع أدلة هامة، بالإضافة إلى أن القانون التونسي لا ينصّ على مسؤولية القيادة التي يمكن بموجبها محاسبة القادة المدنيين وقادة الشرطة وقوات الأمن على الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم، إضافة إلى ذلك، تسبّب الاستدلال القانوني الخاطئ في محكمة الاستئناف بتخفيف الإدانات الموجّهة إلى مسؤولين ليصبح مجرّد إهمال جنائي، على الرغم من خطورة الجرائم المرتكبة".
وترى أن "فشل السلطات التونسية في الضغط بشكل فعال من أجل استرجاع بن علي من السعودية، التي منحته اللجوء، تسبّب في إضعاف مسار العدالة بشكل كبير، فنتج من ذلك حرمان الادعاء والمحاكم من مساءلة أحد المتهمين الرئيسيين، وتحديد دوره وأدوار المسؤولين الآخرين في جرائم القتل التي حصلت".
وعلى الرغم من الإصلاحات التي أُدخلت على منظومة القضاء العسكري في يوليو/تموز 2011، ما زالت هذه المنظومة خاضعة للسلطة التنفيذية ولا يمكن اعتبارها سلطة مستقلة.
وأوصت المنظمة بحسب ما تؤكده القلالي لـ"العربي الجديد"، بعدة توصيات للنيابة العامة والحكومة المقبلة والبرلمان التونسي وهيئة الحقيقة والكرامة، مشيرة إلى أنه "يجب على النيابة العامة إرسال توجيهات إلى جميع المدّعين بإجراء تحقيقات شاملة ومحايدة وسريعة في كل المزاعم المتعلقة بارتكاب الأعوان (الموظفين) المكلفين بإنفاذ القوانين لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بصرف النظر عن رتبهم، وعما إذا كان الضحايا أو عائلاتهم قد تقدموا بدعوى رسمية في الغرض".
كما رأت المنظمة أنه يجب على الحكومة مضاعفة الجهود لضمان جلب المتهم الرئيسي في هذه المحاكمات، بن علي، وطالبت أيضاً وزير الداخلية "بإصدار أمر ملزم يحث فيه جميع قوات الأمن على الالتزام الدائم بأهم المعايير الدولية، وخصوصاً مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من رجال الأمن المكلفين بإنفاذ القانون".
ودعت المنظمة أيضاً الحكومة المقبلة إلى "ضرورة تحديد الإجراءات التي يتم بموجبها تعيين القضاة والمدعين في الدوائر المتخصصة في قانون العدالة الانتقالية بما يحترم متطلبات الاستقلالية والحياد، كما يجب أن يتبع هذا المرسوم، الإجراء الذي ينص عليه الدستور حول تعيين القضاة، أي على قاعدة الاختيار والتوصية من قبل المجلس الأعلى للقضاء".
وتطالب القلالي البرلمان التونسي بـ"وجوب تعديل الفصلين 20 و22 من القانون 694 الصادر في 24 يناير/كانون الثاني 1969 المتعلق بالاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات للحد من استخدام القوة المميتة، مع ضرورة إصلاح القوانين التونسية بما يجعل اختصاص القضاء العسكري مقتصراً على الجرائم ذات الطابع العسكري البحت التي يرتكبها أعوان الجيش، واستثناء جميع القضايا التي يكون فيها المتهم أو الضحية من المدنيين".