الوقت وغيابه هو الذريعة التي يرفعها معظم من لم تعد تربطهم علاقة بقراءة الكتب. قناعة يغذّيها تضخّم الحديث عن تسارع وتيرة الحياة في وسائل الإعلام وكذلك في الأحاديث العامة. في البلاد العربية بوجه أخص، يكاد يتحوّل الأمر إلى موقف بديهي يجري تبنّيه من دون مراجعة. ولذا قد نكون في حاجة إلى فحصه؟
يمكن إرجاع الشعور بعدم إيجاد وقت للقراءة إلى شعور عام بعدم امتلاك وقت لفعل شيء شخصي؛ إنها إشكالية متفرّعة من أزمة عدم القدرة على حسن توزيع الوقت بشكل عام.
فنفس مساحة الوقت التي يمكن أن تخصّصه للقراءة (ساعة أو ساعتين يومياً) يمكن أن نلاحظ بسهولة أنه يذهب إلى أنشطة أخرى أقلّ أهمية مثل متابعة التلفزيون بأخباره ومسلسلاته ومنوّعاته ومباراياته الكروية التي لا تنتهي، أو المحادثات المطوّلة أمام شاشات الكمبيوتر والهواتف الجوّالة.
تشير دراسات كثيرة إلى أن معدّل الساعات التي يمكن أن يخصّصها الإنسان المعاصر لنفسه يقدّر بثلاث ساعات (بعض طرح ساعات النوم والعمل والحياة الاجتماعية)، فإذا جرى تخصيص نصف هذه الفترة الزمنية للقراءة فإننا سنقع على نتائج مفاجئة: إذ يمكن ببساطة قراءة أربعة كتب شهرياً (كتب متوسطة الحجم من 300 إلى 400 صفحة) لو جرت المواظبة على هذه العادة.
هكذا تعود مسألة توفير فسحة للقراءة إلى حسن تقسيم للوقت بصفة عامة، وهي خبرة يبدو أن الإنسان المعاصر بدأ يفقدها، فهي إذا لم تمرّر له عبر التربية (كما هو الحال في الوضع العربيا لراهن) ينبغي عليه أن يبذل جهداً لتوفيرها وإلا فإنه يفرّط في ما عرفّه ميشال فوكو بأحد أشكال "العناية بالنفس".