كان أبرز ما لفتني، عندما شاهدته في صالة الإفطار ذات صباح في فندق في نيويورك، قبل سنتين، تقدّمه في السن. كل صوره التي رأيتها سابقاً لم تكن تكشف عن شيخوخة.
قلت لصديقتي متسائلاً: هذا إدواردو غاليانو؟ أجابت: يبدو أنه هو. كان يجلس على الطاولة المقابلة لنا. ابتسمتُ وقلتُ له: صباح الخير إدواردو. ابتسم وقال: صباح الخير. تأكدنا أنه هو.
حين وقف، كان ظهره منحنياً رغم أنه من مواليد 1940 فقط. لاحظتُ أنه كان يتفحص عبوات الحليب الباردة بحثاً عن حليب ساخن.
دون أن ينتبه، ذهبتُ إلى النادل وقلت له: أريد حليباً ساخناً للسيد. فهرع وأحضر له الحليب. لاحظتُ أنه يشرب حليباً ساخناً بدون سكر، ويقرأ الجريدة بنهم، صفحة فصفحة. فكّرت وقتها: ماذا يمكن أن يُقدَّم لكاتب عظيم سوى هذه اللفتات الصغيرة.
أتذكّر الآن شذرات من أحاديث قليلة معه في الأيام التي تلت. دعوتي له إلى "احتفالية فلسطين للأدب" ووعده بتلبية الدعوة التي بقيت مفتوحة؛ لقاء في كواليس قاعة في نيويورك بعد ندوة عن الكتابة الفلسطينية سبقت الندوة، التي كان سيتحدث فيها. لا أعرف من الذي ربت على كتف الآخر وقتها.
كل ما أعرفه أننا خسرنا أكثر كتّاب زماننا شجاعة. كل ما أعرفه أن كاتباً بجرأته وألمعيته وضميره لا يمكن أن يطاله موت. لستُ وحدي من ينتظرك في فلسطين يا إدواردو، أرض كاملة بودّها أن تحتضنك الآن.