أعلن موقع "بازفيد"، قبل أيام، تسريح 250 موظفاً في الولايات المتحدة الأميركية، أو 15 في المائة من قوته العاملة، ضمن خطّة تقليص عدد الموظفين عالمياً، والتي ستتضمّن أيضاً صرف 200 آخرين من العاملين في الموقع حول العالم، 11 منهم في أستراليا.
أحدثت هذه الحملة جدلاً واسعاً في أوساط الإعلام الأميركي، إذ شهدت احتجاجات تضامنية عبر مواقع التواصل من قبل صحافيين أميركيين، والذين طالبوا بتوظيف الصحافيين المصروفين، تحديداً اللامعين بينهم في تغطية مجالاتٍ كالسياسة.
وفي رسالة مفتوحة إلى الرئيس التنفيذي لموقع "بازفيد"، جوناه بريتي، ورئيس التحرير، بن سميث، وموقّعة من قبل أكثر من 400 موظف في الموقع، قال الموظفون "إن الموقع يرفض دفع المبالغ المكتسبة والمستحقة لجميع الموظفين الأميركيين الذين تم تسريحهم"، وليس فقط لموظفي كاليفورنيا كما ينص القانون. هذا فيما قال بريتي إن الاستغناء عن خدمات الموظفين تم من أجل مساعدة "بازفيد" على الحفاظ على النمو من دون اللجوء إلى تمويل إضافي.
تزامناً، قالت شركة "فيرايزون" إنها ستسرح 7 في المائة من عدد الموظفين، حوالي 800 شخص، من وحدتها الإعلامية، والتي تضم "هاف بوست" و"ياهو" و"أميركا أون لاين". ويوم الجمعة الماضي، أعلنت شركة "وارنر ميديا" أنها ستغلق الذراع الاستثمارية الرقمية "وارنر ميديا للاستثمارات".
كلّ تلك الإقالات المتزامنة، مع ما سبقها من أزمات ماليّة تعيشها الصحافة حول العالم، والتي تضمّنت إيقاف النسخ الورقيّة لصحفٍ عدّة، بينها "إندبندنت" البريطانية (عام 2016) وتزاحم المنافسة على السرعة في الخبر في الوسط الإعلامي، دقّت ناقوس الخطر في القطاع. وهنا، تشير صحيفة "ذا غارديان" البريطانية إلى أن هذه التخفيضات المتكررة في شركات مثل "بازفيد" قد تعني خطوات لتجهيز الشركة لاستحواذ أو اندماج محتمل، ربما مع منافس مباشر مثل Vox أو Vice.
ويدفع التدهور المتسارع لقطاع الناشرين إلى إيجاد مصادر جديدة من الإيرادات، إذ إنّ "فايس" تتواصل مع HBO، بينما استكشفت "بازفيد" مشروعاً تم إلغاؤه مع "نتفليكس".
ويبدو أنّ "الصحافة الفيروسيّة"، أي التي تعتمد على انتشار موادها بشكلٍ كثيف على مواقع التواصل، وبينها "بازفيد" و"فوكس"، بدأت أزمتها تستفحل أخيراً. إذ لم تؤدِّ مقاطع الفيديو القصيرة إلى تحقيق إيرادات جديدة كما كان مرجواً. وبالنسبة للكثيرين في القطاع، فإنّ الصحافة الإذاعيّة عبر الإنترنت، المعروفة باسم "البودكاست" هي التوجّه الحالي. ففي الأسبوع الماضي، قالت مجلة "الإيكونوميست" إنها تقوم بتوسيع فريقها الصوتي إلى ثمانية موظفين، فيما تقوم "وول ستريت جورنال" بمبادرة مماثلة.
اقــرأ أيضاً
هل هناك مستقبل للصحافة المكتوبة؟ تنقل "ذا غارديان" عن ماكس ويلينز من مجلة Digiday للتجارة الرقمية إنه "إذا كنت ناشراً للمقالات المكتوبة في عام 2019 فيجب أن يكون من الواضح تماماً أن ذلك ليس استراتيجية معقولة، خاصة إذا تضمنت توظيف أشخاص لكتابة المحتوى"، مضيفاً "إذا كان هذا هو مصدر دخلك الوحيد، فمن الصعب جداً إنشاء نشاط تجاري مزدهر".
وماذا عن الاشتراكات؟ تقول كبيرة موظفي المبيعات والتسويق لصحيفة "وومنز دايلي"، باميلا دراكر مان: "عندما ننظر إلى نجاح النظام المالي في "نيويوركر"، فهو أمر هائل"، "بصراحة أتمنى أن نكون قد فعلنا هذا بالأمس".
ويُعتقد أن مجلة "نيويوركر" حصدت 118 مليون دولار العام الماضي من خلال نموذج الاشتراك. وقالت دراكر إن وسائل إعلام أخرى قامت بنفس التجربة، بما فيها Vanity Fair وWired. هذا فيما تبقى صحيفة "نيويورك تايمز" الأكثر قدرةً على توفير الأموال من خلال تلك الاشتراكات المدفوعة. لكن بالنسبة للمطبوعات، أمثال Allure أو Glamour أو Brides، التي تركز على مواضيع "أسلوب الحياة" وليس الأحداث المباشرة، فقد أثبتت أن نموذج الدفع مقابل القراءة أقل فعالية.
في محاولة التأقلم مع مشهد النشر الرقمي المتغيّر، تساعد أحياناً منصات معينة على دعم المحتوى، مثلما ساعدت iTunes صناعة الموسيقى عن طريق بيع ملفات MP3. وهنا يعتقد كثيرون أن Texture، وهي خدمة اشتراك المجلات والصحف من "آبل"، يمكن أن توفر شريان حياة مماثلاً للناشرين. لكنّ هذا النموذج الأخير قد لا يكون مغرياً للجميع، فالنسبة لمنشورات مثل "نيويورك تايمز" أو "واشنطن بوست" أو "فايننشيال تايمز"، والتي لديها نماذج اشتراك ناجحة، من المرجح أن تظلّ فكرة الحصول على نسبة مئوية من صفقة البيع غير جذابة.
اقــرأ أيضاً
إلا أنّ أزمة الصحافة الفيروسيّة تبقى جزءاً من كُلّ، إذ إنّ أزمة أوسع تضرب الصحافة عالمياً. وبحسب تقرير من مجلة "نيويوركر"، تحجب الأرقام قصة أقبح. في نصف القرن الماضي، وخاصة في العقدين الماضيين، تغيرت الصحافة نفسها، تحديداً الطريقة التي تتم بها تغطية الأخبار والإبلاغ عنها وكتابتها وتحريرها، بما في ذلك الطرق التي جعلت من الممكن ظهور أخبار مزيفة.
بحسب تحليل المجلة، لم يحدث هذا فقط بسبب عمليات الدمج والاستحواذ وملكية الشركات وفقدان الوظائف، و"غوغل" و"فيسبوك" و"بازفيد"، كما أنّه ليس هناك نقص في الصحافيين اللامعين في مجالات عملهم، من ذوي الرؤية الشفافة والشجاعة، واسعي الذكاء والابتكار، خصوصاً في سرد القصص البصرية. لكنّ الصحافة كحقل، تقول المجلة، صارت هزيلة، ضائعة، ومضطربة. صارت أسرع مما كانت عليه. سريعةً جداً، وأكثر حزناً وغضباً.
وفي رسالة مفتوحة إلى الرئيس التنفيذي لموقع "بازفيد"، جوناه بريتي، ورئيس التحرير، بن سميث، وموقّعة من قبل أكثر من 400 موظف في الموقع، قال الموظفون "إن الموقع يرفض دفع المبالغ المكتسبة والمستحقة لجميع الموظفين الأميركيين الذين تم تسريحهم"، وليس فقط لموظفي كاليفورنيا كما ينص القانون. هذا فيما قال بريتي إن الاستغناء عن خدمات الموظفين تم من أجل مساعدة "بازفيد" على الحفاظ على النمو من دون اللجوء إلى تمويل إضافي.
تزامناً، قالت شركة "فيرايزون" إنها ستسرح 7 في المائة من عدد الموظفين، حوالي 800 شخص، من وحدتها الإعلامية، والتي تضم "هاف بوست" و"ياهو" و"أميركا أون لاين". ويوم الجمعة الماضي، أعلنت شركة "وارنر ميديا" أنها ستغلق الذراع الاستثمارية الرقمية "وارنر ميديا للاستثمارات".
كلّ تلك الإقالات المتزامنة، مع ما سبقها من أزمات ماليّة تعيشها الصحافة حول العالم، والتي تضمّنت إيقاف النسخ الورقيّة لصحفٍ عدّة، بينها "إندبندنت" البريطانية (عام 2016) وتزاحم المنافسة على السرعة في الخبر في الوسط الإعلامي، دقّت ناقوس الخطر في القطاع. وهنا، تشير صحيفة "ذا غارديان" البريطانية إلى أن هذه التخفيضات المتكررة في شركات مثل "بازفيد" قد تعني خطوات لتجهيز الشركة لاستحواذ أو اندماج محتمل، ربما مع منافس مباشر مثل Vox أو Vice.
ويدفع التدهور المتسارع لقطاع الناشرين إلى إيجاد مصادر جديدة من الإيرادات، إذ إنّ "فايس" تتواصل مع HBO، بينما استكشفت "بازفيد" مشروعاً تم إلغاؤه مع "نتفليكس".
ويبدو أنّ "الصحافة الفيروسيّة"، أي التي تعتمد على انتشار موادها بشكلٍ كثيف على مواقع التواصل، وبينها "بازفيد" و"فوكس"، بدأت أزمتها تستفحل أخيراً. إذ لم تؤدِّ مقاطع الفيديو القصيرة إلى تحقيق إيرادات جديدة كما كان مرجواً. وبالنسبة للكثيرين في القطاع، فإنّ الصحافة الإذاعيّة عبر الإنترنت، المعروفة باسم "البودكاست" هي التوجّه الحالي. ففي الأسبوع الماضي، قالت مجلة "الإيكونوميست" إنها تقوم بتوسيع فريقها الصوتي إلى ثمانية موظفين، فيما تقوم "وول ستريت جورنال" بمبادرة مماثلة.
هل هناك مستقبل للصحافة المكتوبة؟ تنقل "ذا غارديان" عن ماكس ويلينز من مجلة Digiday للتجارة الرقمية إنه "إذا كنت ناشراً للمقالات المكتوبة في عام 2019 فيجب أن يكون من الواضح تماماً أن ذلك ليس استراتيجية معقولة، خاصة إذا تضمنت توظيف أشخاص لكتابة المحتوى"، مضيفاً "إذا كان هذا هو مصدر دخلك الوحيد، فمن الصعب جداً إنشاء نشاط تجاري مزدهر".
وماذا عن الاشتراكات؟ تقول كبيرة موظفي المبيعات والتسويق لصحيفة "وومنز دايلي"، باميلا دراكر مان: "عندما ننظر إلى نجاح النظام المالي في "نيويوركر"، فهو أمر هائل"، "بصراحة أتمنى أن نكون قد فعلنا هذا بالأمس".
ويُعتقد أن مجلة "نيويوركر" حصدت 118 مليون دولار العام الماضي من خلال نموذج الاشتراك. وقالت دراكر إن وسائل إعلام أخرى قامت بنفس التجربة، بما فيها Vanity Fair وWired. هذا فيما تبقى صحيفة "نيويورك تايمز" الأكثر قدرةً على توفير الأموال من خلال تلك الاشتراكات المدفوعة. لكن بالنسبة للمطبوعات، أمثال Allure أو Glamour أو Brides، التي تركز على مواضيع "أسلوب الحياة" وليس الأحداث المباشرة، فقد أثبتت أن نموذج الدفع مقابل القراءة أقل فعالية.
في محاولة التأقلم مع مشهد النشر الرقمي المتغيّر، تساعد أحياناً منصات معينة على دعم المحتوى، مثلما ساعدت iTunes صناعة الموسيقى عن طريق بيع ملفات MP3. وهنا يعتقد كثيرون أن Texture، وهي خدمة اشتراك المجلات والصحف من "آبل"، يمكن أن توفر شريان حياة مماثلاً للناشرين. لكنّ هذا النموذج الأخير قد لا يكون مغرياً للجميع، فالنسبة لمنشورات مثل "نيويورك تايمز" أو "واشنطن بوست" أو "فايننشيال تايمز"، والتي لديها نماذج اشتراك ناجحة، من المرجح أن تظلّ فكرة الحصول على نسبة مئوية من صفقة البيع غير جذابة.
إلا أنّ أزمة الصحافة الفيروسيّة تبقى جزءاً من كُلّ، إذ إنّ أزمة أوسع تضرب الصحافة عالمياً. وبحسب تقرير من مجلة "نيويوركر"، تحجب الأرقام قصة أقبح. في نصف القرن الماضي، وخاصة في العقدين الماضيين، تغيرت الصحافة نفسها، تحديداً الطريقة التي تتم بها تغطية الأخبار والإبلاغ عنها وكتابتها وتحريرها، بما في ذلك الطرق التي جعلت من الممكن ظهور أخبار مزيفة.
بحسب تحليل المجلة، لم يحدث هذا فقط بسبب عمليات الدمج والاستحواذ وملكية الشركات وفقدان الوظائف، و"غوغل" و"فيسبوك" و"بازفيد"، كما أنّه ليس هناك نقص في الصحافيين اللامعين في مجالات عملهم، من ذوي الرؤية الشفافة والشجاعة، واسعي الذكاء والابتكار، خصوصاً في سرد القصص البصرية. لكنّ الصحافة كحقل، تقول المجلة، صارت هزيلة، ضائعة، ومضطربة. صارت أسرع مما كانت عليه. سريعةً جداً، وأكثر حزناً وغضباً.