تهدد أزمة أوكرانيا وتزايد التوتر السياسي بعودة أوروبا إلى عهد استخدام الفحم الحجري في توليد الطاقة.
وقال الخبير البريطاني البروفسور الان رايلي بجامعة لندن في تصريحات نقلتها منظمة " ناتشرال غاز يوروب" إن أوروبا يمكن أن تتحول إلى استخدام الفحم الحجري لخفض اعتمادها على الغاز الروسي الذي يمكن أن تنقطع امداداته في أية لحظة وسط التوتر السياسي بين دول المجموعة الأوروبية وروسيا حول أوكرانيا.
وقال وزير الطاقة البريطاني ايد ديفي اليوم الاربعاء: إن على أوروبا أن تأخذ التهديدات الروسية بخفض إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا محمل الجد.
وقال ديفي: "على أوروبا أن تخطط وبشكل عميق لاحتمالات خفض إمدادات روسيا من النفط والغاز الطبيعي إلى أوروبا".
من جانبه قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج الأسبوع الماضي إن بريطانيا وضعت قضية خفض إمدادات دول المجموعة الأوروبية في جدول اجتماعات المجموعة المقبلة.
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد حث دول المجموعة الأوروبية على الاستثمار في استخراج الغاز الصخري للتخلص من الاعتماد على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي.
كل هذه التصريحات تشير إلى أن أوروبا باتت قلقة من احتمالات خفض إمدادات الطاقة الروسية حسب محللين.
وجاءت تصريحات وزير الطاقة البريطاني في أعقاب المذكرة التي بعث بها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى زعماء المجموعة الأوروبية قال فيها "اذا لم تسدد أوكرانيا مستحقات الغاز المترتبة عليها لشركة غازبروم الروسية، فإن الشركة ستجبرعلى اتخاذ قرار بشأن الإمدادات وهو ما يفهم منه أن غازبروم ربما تقطع إمدادات الغاز الى أوكرانيا في اية لحظة.
وتبلغ مستحقات غازبروم على أوكرانيا حوالى 2.2 مليار دولار".
وفي مقابل التهديد لأوكرانيا ، وحسب منظمة" ناتشرال غاز يوروب"، فإن شركة غازبروم الروسية طمأنت الدول الأوروبية بمواصلة الإمدادات في مذكرة بعث بها رئيسها اليكسي ميلر إلى مفوض الطاقة الأوروبي جونثر اوتنجر أبلغه فيها" أن شركة غازبروم ممد ثابت للغاز إلى دول المجموعة ويعتمد عليه وستظل ممداً ثابتاً في المستقبل".
وفي ذات الصعيد نسبت منظمة الغاز الطبيعي الأوروبية " ناتشرال غاز يوروب" التي تتابع اسواق الغاز لصالح دول المجموعة الأوروبية إلى البروفسور الان رايلي بجامعة لندن القول"موارد الطاقة الروسية الضخمة والتهديدات المستمرة لأوروبا بقطع الإمدادات وعدم الثقة بين روسيا وأوروبا، ترفع من مخاطر إمدادت الطاقة إلى أوروبا وبالتالي يجب تقليل الاعتماد على روسيا".
وقال البروفسور رايلي إن المانيا التي تعتمد بنسبة 40% من إمداداتها من الغاز الطبيعي على روسيا وستقوم بإنشاء محطة لتوليد الكهرباء باستخدام الفحم طاقتها 8 جيجاوات ، كما يمكن لأوروبا استيراد الفحم الحجري من أميركا".
يذكر أن سعر الفحم الحجري في أميركا أصبح رخيصاً في أعقاب ثورة الغاز الصخري الذي بات يغطي كامل احتياجات أميركا.
لكن رغم هذه المخاوف من قطع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، فإن اتخاذ مثل هذا القرار سيكون صعباً على روسيا، اذا أخذنا في الاعتبار أن 60% من دخل شركة غازبروم الحكومية يأتي من صادرات الغاز إلى أوروبا.
وحتى لحظة كتابة هذا التقرير فإن أوروبا منقسمة على نفسها بشأن الإجراءات العقابية التي تنوي اتخاذها ضد روسيا.
وبينما تتحمس بريطانيا لإجراءات عقابية تخص خفض الغاز الطبيعي، لأنها تستورد كمية ضئيلة من الغاز الروسي، تتحمس دول أوروبية أخرى لتشديد الحظر المالي والتجاري.
وترفض بريطانيا تشديد الحظر المالي على روسيا وشركاتها، بسبب تتدفق عشرات مليارات الدولارات على سوق لندن المالي.
وترفض كل من المانيا وفرنسا تشديد الحظر التجاري بسبب مصالحها التجارية، القوية مع روسيا حيث ترتبط شركاتها بعقود تجارية وعقود تصدير ضخمة إلى روسيا.
ويقدر حجم الواردات الاستهلاكية الروسية من دول الاتحاد الأوروبي بحوالى 350 مليار دولار سنوياً.
إلى ذلك توقعت مؤسسة" اي تي كيرني" الاستشارية التي يوجد مقرها في شيكاغو، أن يرتفع استهلاك الغاز في أوروبا بين 20 إلى 40 مليار متر مكعب سنوياً خلال السنوات المقبلة.
وأشارت في دراسة بعنوان"مستقبل الغاز في أوروبا" إلى أن التحول الجاري في توليد الطاقة في أوروبا في أعقاب حادثة المفاعل النووي في فوكوشيما تدل على استخدام أكبر للغاز الطبيعي .
وتتجه العديد من الدول الأوروبية في أعقاب حادثة فوكوشيما المروعة في اليابان إلى توليد الطاقة من مصادر أخرى غير المفاعلات النووية.
يذكر أن المانيا أغلقت إحدى مفاعلاتها في العام 2011 وتتجه نحو الإغلاق الكامل للمحطات النووية خلال العشر سنوات المقبلة.
وتقول الدراسة :إن هذا التحول سيقود إلى زيادة استخدام الغاز الطبيعي في التدفئة والكهرباء .
كما لاحظت أن هنالك زيادة كبيرة في واردات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا ونشاطاً كبيراً في السوق الفورية للغاز على حساب العقودات طويلة الأجل التي كانت تعتمد عليها أوروبا في توريد الغاز.
وذكرت في هذا الصدد أن انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي في كل من بريطانيا وهولندا سيرفع واردات الغاز الطبيعي بنسبة 27% في أوروبا، لترتفع الواردات من مستوياتها الحالية البالغة 327 مليار متر مكعب إلى 413 مليار متر مكعب في العام2020.
وقالت الدراسة: "منذ أزمة المال العالمية في العام 2007، أصبح سوق الغاز الطبيعي في أوروبا أكثر نشاطاً بسبب التغيير في معادلة العرض والطلب على الغاز الطبيعي".
واشارت في هذا الصدد إلى شحنات الغاز المسال وصفقات السوق الفوري التي بدأت تحتل حيزاً ليس بالبسيط من سوق الغاز الأوروبي الذي كان يعتمد على إمدادات خطوط الأنابيب.
ولاحظت الدراسة أن شحنات الغاز المسال التي تصل أوروبا تواصل الارتفاع منذ العام 2009، حيث بلغت 11 مليار متر مكعب ثم ارتفعت إلى 18 مليار متر مكعب في العام 2010. مشيرة في هذا الصدد إلى أن شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا خفضت أسعار الغاز في السوق الفوري.
وقالت الدراسة إن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية أثرت في سوق الغاز الطبيعيي وستواصل التأثير خلال الاعوام المقبلة وهي :
- أولاً ارتفاع طاقة الإنتاج للغاز المسال في قطر.
ثانياً: ثورة الغاز الصخري في أميركا التي جعلت أميركا مكتفية ذاتياً من الغاز الطبيعي وربما مصدراً رئيسياً للغاز في المستقبل.
ويذكر أن شحنات الغاز المسال التي كانت تستوردها أميركا تتجه منذ مدة إلى أوروبا وآسيا.
- ثالثاً: إن الركود العالمي الذي ضرب الاقتصادات الغربية منذ أزمة المال خفض الطلب على الغاز الطبيعي ورفع من مخزونات الغاز في مناطق الاستهلاك الرئيسة.