إلا أن الحذر يبقى قائماً في ظلّ تداعيات الأزمة الأيطالية التي ألقت بتأثيراتها على الأسواق والبورصات الأوروبية والدول الناشئة في الاتحاد، وأدت للاضطراب في منطقة اليورو.
ورغم هذا كله، تجد ألمانيا، الراعي لاقتصادات دول اليورو، نفسها في وضعٍ معقد تجاه الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها روما حالياً، ما يطرح سؤالاً حول سبب استمرار التزام برلين الصمت.
ويعتبر الخبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية أن إيطاليا ستضع القارة العجوز أمام مفترق طرق، لما يحمله الوضع من خطورة وحساسية للأوروبيين وبلدان مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال.
ويبرز هؤلاء الخبراء أسباباً عديدة تدفع برلين إلى غضّ النظر حالياً عما يحصل في روما، انطلاقاً من خوف لديها من أن يساء فهم النصيحة، خاصة أنه ليست هناك من خطط مفهومة تعكس النية لإجراء إصلاحات جدية في البلاد، رغم قلق الائتلاف الحاكم في برلين بشأن الوضع، وحيث من المرجح أن يشارك في الحكومة زعيما الائتلاف الشعبوي ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو، وباولو سافونا، الشخصية المثيرة للجدل والمناهضة لأوروبا، والذي رفضت حكومة كونتي عند تكليفه في المرة الأولى بسبب ورود اسمه فيها كوزير للاقتصاد، أن يكون مسؤولاً عن الشؤون الأوروبية.
وفي ظلّ الأزمة والنقمة الموجودة بفعل سياسة التقشف، فإن تدخل برلين سيدعم موقف الائتلاف الشعبوي الذي يتصدر استطلاعات الرأي، والذي كان قد استحوذ على أغلبية برلمانية في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في مارس/ آذار الماضي.
إلى ذلك، فان انفلاش هذه القوة اليمينية المتشابهة بالأفكار السياسية سيفرض على ألمانيا وفرنسا وبروكسل الانصياع والتعامل معها إذا ما تمكنت من تعزيز حضورها وسيطرتها على السلطة، وهذا الأمر سيؤثر على الجميع في أوروبا.
من هنا، من المرجح أن تعود المواجهة بين الرئيس والثنائي الشعبوي، "حزب الرابطة" و"حركة خمس نجوم"، المعاديين لأوروبا، عند أول اختلاف. وكما بات معلوماً، فإن زعيم الحركة دي ماتيو لم يتوان عن المطالبة بعزل رئيس البلاد بعد رفض حكومة كان لهما رأي في عدد من الشخصيات المناهضة لأوروبا المرشحة للتوزير.
إلى ذلك، يرى خبراء الاقتصاد أن الاضطراب لا يزال مضبوطاً، ولم يؤثر على استقرار المصارف الألمانية، ولا تزال المؤسسات المالية بمنأى عن التهديدات. وهو ما أكد عليه وزير المال الاتحادي الألماني أولاف شولز، حين قال في أحاديث صحافية إن "المصارف بحال استقرار، وهي اتخذت خلال السنوات الأخيرة تدابير حماية وعناية كبيرة ساهمت في تطوير أعمالها بشكل جيد".
وهناك اعتبار آخر، وهو الفقدان الجزئي للثقة في ظل حالة عدم اليقين بشأن التطوير الإضافي من الناحية المالية في البلاد، وألمانيا بحاجة لشريك موثوق يتوافق مع القواعد الأوروبية المشتركة المتفق عليها، خاصة أنه لم يعد خافياً أن إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد النقدي، تعيش وسط جبل ضخم من الديون، وهذا ما يتوافق مع ما يقرب من 132 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد، فيما الاتحاد الأوروبي يسمح فقط بنسبة 60 في المئة فقط، والخلاف الآن مع الاتحاد حول الامتثال لقواعد الميزانية والديون، وهو أمرٌ يأخذ حيزاً كبيراً في الجدل السياسي القائم في البلاد.
هذا الأمر، أشار إليه الخبير الاقتصادي جيرومان زيتيلماير، الذي عمل في وزارة الاقتصاد الألمانية تحت إدارة وزير الاقتصاد السابق زيغمار غابريال، والذي يعمل حالياً في "معهد واشنطن بيترسون".
ويوضح زيتيلماير، في معرض تقييمه للوضع في إيطاليا، أن البلاد تحتاج إلى طريق واضح نحو الاتحاد المصرفي، موصياً بالمقابل بأن تركز المصارف الإيطالية، وبشكل صارم، على تخفيض دينها السيادي، وعندها يمكن لبقية أوروبا أن توفر لها ضمانة مشتركة. وأسدى النصح بـ"استيعاب إيطاليا".
في الخلاصة، يدفع الوضع غير المستقر في روما ألمانيا إلى الحذر، وتسود حال من عدم الاطمئنان تجاه التطورات الحالية في روما، لما للاتحاد النقدي من تأثير كبير على برلين، رغم أن الأخيرة تتجنب إثارة الانطباع بالتضحية بالمصالح الألمانية، وهو ما لمح إليه خبراء مال في "الحزب المسيحي الديمقراطي" من أن ألمانيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومؤثراً في السياسة النقدية والاستقرار في الأسواق الأوروبية.
وهناك رأي يقول إنه بات من الضروري فصل القطاع المصرفي الإيطالي بشكل أقوى عن سياسة الدولة، وهذا يحتاج إلى إشارة سياسية، كما أنه ينبغي على الأوروبين أن يدفعوا نحو هذا الأمر، لأن الواقع مرتبط بمسألة إرادة سياسية وليس بمسالة جدوى، ويمكن بعدها الحديث عن إبقاء إيطاليا في الاتحاد النقدي.