أكثر من أربع ساعات يقضيها مريض الكلى عبد الرؤوف عبد العال (76 عاماً)، ثلاث مرات في الأسبوع، على آلة غسيل الكلى في مستشفى الشفاء بمدينة غزة المحاصرة، هو الذي جرّب معاناة انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من مرة، ما عرّض حياته ومعه آلاف المرضى في القطاع للخطر.
وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ نحو أسبوعين، توريد الوقود لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، حيث توقفت المحطة عن العمل بشكل تام وأثّر ذلك على جدول توزيع الكهرباء بشكل كبير جداً، الأمر الذي فاقم من معاناة المواطنين بشكل عام، والمرضى بشكل خاص، لتأثير انقطاع التيار الكهربائي على الأجهزة الطبية.
وتعدّ أزمة الكهرباء متجدّدة في قطاع غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ 14 عاماً. وفي كل مرّة تعود فيها هذه الأزمة، تصبح حياة الآلاف من المرضى بخطر، بسبب توقف الأجهزة الطبية عن العمل في مستشفيات القطاع.
ويقول المريض عبد العال لـ"العربي الجديد"، إنّه أثناء جلسة غسيل الكلى في مستشفى الشفاء الكهرباء ضرورية ومهمة جداً له ولجميع المرضى. وهي ليست ضرورية فقط في المستشفى، بل في البيت أيضاً، نظراً لكونه يعاني من ضيق تنفّس مستمر، يستدعي استعماله لجهاز يمدّه بالأكسجين.
ويشير إلى أنّ العديد من المرضى يعانون بشكل يومي من تأجيل جلسات الغسيل بسبب أزمة الكهرباء. ويضيف: "هذا يعرّض حياتنا للخطر المباشر، لأنّ المريض لا يحتمل الصبر".
ويعاني 820 مريضا في قطاع غزة من الفشل الكلوي، وتجرى لمعظمهم عمليات غسيل الكلى في مجمع الشفاء الطبي، ما يفاقم من حجم الأزمة. إذ يعمل المستشفى الأكبر في القطاع، في وقت الأزمات، على المولّدات الكبيرة، التي قد تتوقّف عن العمل مع منع إدخال الوقود، أو تتعرّض للضرّر بسبب التشغيل المستمر.
وتمكث غالبية المرضى حتى ساعات الفجر الأولى في مستشفى الشفاء، بسبب تزايد عددهم وعدم توفّر أجهزة غسيل الكلى بشكل دائم، حيث تقوم الكوادر الطبية بتوزيع الأوقات على المرضى بشكل منتظم.
الشاب محمد عبد الجليل (33 عاماً)، كان هو الآخر يستعمل إحدى آلات غسيل الكلى القريبة من الحاج عبد العال، وأعرب عن قلقه من أن تؤثّر أزمة الكهرباء على حياته وحياة مرضى الكلى بشكل عام.
وقال لـ"العربي الجديد": "تدهورت صحتي من قبل بسبب توقف الجهاز عن العمل، عندما أصيب بعطل فني، ولكن مع أزمة الكهرباء فإنّ الجهاز قد يتوقف عن العمل تماماً، ويمكن لذلك أن يعرضّنا للموت".
واضطرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إلى تقليص خدماتها التشخيصية والمساندة بسبب تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء والنقص الحاد للوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات.
ووجهت الوزارة، أمس الثلاثاء، نداءً تحذيرياً من تداعيات خطيرة يمكن أن تحدث إثر أزمة الكهرباء، وذلك بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة بالقطاع، الأمر الذي سيؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفيات.
وقالت الوزارة، على لسان المتحدث باسمها أشرف القدرة، إنّ "انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفيات قطاع غزة ستكون له تداعيات خطيرة على حياة الأطفال الخدج في الحضانات، ومرضى العنايات المركّزة والفشل الكلوي، ووقف العمليات الجراحية والولادات القيصرية".
ووفقاً لمركز الميزان لحقوق الإنسان، فإنّ قطاع غزة يشهد تراجعاً حاداً في مؤشرات الخدمات الصحية، مقارنة مع عام 1996، سواء في أعداد الأسرّة أو الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين.
وفي وحدة حضانة الأطفال الخدج يمكث أكثر من 113 طفلا، موزّعين بين حضانات متفرّقة، تحيط بهم عشرات الأجهزة الطبية الدقيقة التي تتابع تطوّر حالاتهم الصحية لحظة بلحظة. ويؤكّد رئيس وحدة حضانة الخدج، ناصر بلبل، أنّ الوحدة تستقبل بشكل يومي بين 3 و5 حالات من الأطفال الخدج، الأمر الذي يزيد من العبء على العاملين وعلى الأجهزة أيضاً في الوحدة. وأضاف أنّ أزمة الكهرباء تؤثر بشكل مباشر على حياة المرضى، كون بعضهم يعيش على الأجهزة.
وحذّر بلبل في حديثه لـ"العربي الجديد"، من تفاقم أزمة الكهرباء الموجودة أصلاً، وقال: "هذا ينذر بواقع سيئ ومضاعفات لا تحمد عقباها على حياة الأطفال الخدج".
وأكّد أنّ وحدة حضانة الأطفال الخدج بمجمع الشفاء الطبي هي من أكثر الأقسام اعتماداً على التيار الكهربائي، إذ إنّ كلّ أجهزتها، بما في ذلك أجهزة المراقبة الحيوية وأجهزة التنفس الصناعي، تعتمد بشكل مباشر على التيار الكهربائي، وأنّ انقطاع التيار الكهربائي يعني نهاية حياة الأطفال.