أزمة امتلاك سيارة.. اللوبيات تقدم الجزائريين "قربانًا" للبنوك

13 ديسمبر 2016
+ الخط -
كبرى العلامات الدولية في صناعة السيارات تتهافت على الجزائر، لإنشاء مصانع تركيب موديلات محددة، بموازاة قانون الاستثمار الجديد الذي سطرته الحكومة الجزائرية والخاص بالتجارة في مجال السيارات، فبعد صفقة شركة "رينو" الفرنسية بولاية وهران (غربي الجزائر) تلتها شركتا "هيونداي" الكورية الجنوبية، و"فولسفاغن" الألمانية، وفي عزّ الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وموازاة مع فرض ضرائب "خيالية" جديدة على المواطنين على البنزين والكهرباء وجوازات السفر، لم تجد الحكومة سوى تشجيع الجزائريين على اقتناء السيارات.

السؤال المطروح وسط كثير من الجزائريين، هل هذه السيارات متوفّرة في الأسواق؟

أسماء شابة جزائرية تشتغل موظفة في مؤسّسة خاصّة، لم تكن تتوقّع يومًا أن يصبح اقتناء سيارة في الجزائر أمرًا مستعصيًا مثلما هو حاصل اليوم، تقول إنها تمكّنت خلال فترة عملها من تجميع مبلغ مالي يمكّنها من شراء سيارة جديدة، واختارت إحدى العلامات الفرنسية التي استثمرت في الجزائر منذ ثلاث سنوات، موضّحة أنها حاولت اقتناء سيارة عن طريق الدفع الآني بواسطة شيك بنكي واستلام مركبتها مباشرة، ولكنها فوجئت بمسؤول التسويق يخطرها بأنه لا توجد سيّارات متوفّرة حاليًا، واقترح عليها حلًا آخر؛ وهو التوجّه لأحد البنوك العمومية، وهناك يمكنها اقتناء سيارتها لكن بإضافة نسبة 7 في المائة من سعر السيارة كفوائد للبنك.

في شهر أبريل/ نيسان من العام 2015 أعلن وزير الصناعة الجزائري، عبد السلام بوشوارب، عن قرار تعليق الجزائر عمليات استيراد السيارات إلى غاية وضع دفتر شروط حيّز الخدمة، ينص على مطابقة معايير السلامة المطلوبة في استيراد السيارات، وأشار الوزير آنذاك إلى أن مصالحه كلّفت مهندسين وخبراء من أجل معاينة نماذج السيارات المراد استيرادها، وطالب وكلاء السيارات بإحضار نماذج السيارات المراد جلبها وعرضها على الخبراء للتأكّد من التزامها ببنود دفتر الشروط الجديد ومطابقتها لمعايير السلامة الجديدة، لاسيما وأن سوق السيارات في الجزائر تحوّلت إلى سوق استهلاكية، بل إلى "فوضى" حقيقية حيث نجد كل الماركات والعلامات القادمة من كل أقطار العالم بما فيها السيارات التي تفتقد لأدنى معايير السلامة من الأسواق الصينية.

فوائد البنوك التي تريد الحكومة فرضها، يعتبرها كثير من الجزائريين "فوائد ربوية"، وهو رأي أسماء أيضًا التي رفضت شراء سيارتها بهذه الطريقة، متسائلة عن الجدوى من إنشاء مصانع لتجميع السيارات في الجزائر، دون أن تكون هذه السيارات متوفّرة أصلًا للراغبين في الحصول عليها بطريقة فورية.


اعتراف حكومي بالمافيا
"هناك لوبيات تقف وراء رفع الحظر عن استيراد السيّارات القديمة"، هذا ما قاله وزير التجارة الجزائري بختي بلعايب في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، في إشارة إلى قانون المالية 2009، الذي منع استيراد السيارات القديمة الأقل من ثلاث سنوات بعد ضغط كبير من قبل وكلاء السيارات، وإجبار المواطن الجزائري على شراء سيارات جديدة، وأضاف الوزير الذي لقي انتقادات واسعة من طرف مسؤولين في الحكومة، أن القانون صيغ على مقاس هذه اللوبيات وأن السيارات القديمة التي كانت تُستورد سابقًا أكثر سلامة من "الخردة" الجديدة التي تستورد اليوم.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في الجزائر وانهيار مداخيل النفط، اتخذت الحكومة قرارًا آخر يتمثل في إجبار وكلاء السيارات على الاستثمار في الجزائر، والمنع التدريجي للاستيراد وتم تحديد تاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري لتسوية هذا الأمر، وخيّرت جميع وكلاء السيارات، بتشييد مصانع تجميع في الجزائر للحدّ من فاتورة الاستيراد وفتح مناصب شغل أو السحب النهائي لرخصة استيراد السيارات، و لحد الآن استجابت أربع علامات وهي "رينو" و"مرسيديس" و"هيونداي" و"فولكسفاغن".

لكن الأمر الذي أصبح مقلقًا بالنسبة للجزائريين، هو تحوّل الأزمة التجارية للسيارات، إلى "أزمة عقائدية" دينية، فالحكومة تريد من خلال هذه الاستثمارات إنعاش بنوكها من جيوب الجزائريين وإرغامهم على دفع فوائد حتى وإن كانوا يملكون المال لشراء سيارات جديدة دون فوائد، بإجبارهم على اقتنائها عن طريق قروض بنكية بنسب فوائد ربحية بدل الاقتناء المباشر من شركات التركيب، بعض الجزائريين لم يجد حلًا آخر سوى التوجّه للبنوك، لكن البعض الآخر انتقد الإجراء بحجّة أن قروض البنوك فيها فوائد ربوية "محرّمة شرعًا"، وهو ما ذهب إليه كثير من رجال الدين في الجزائر.


إذلال الجزائريين
لماذا يدفعون الجزائريين إلى الربا؟ هو التساؤل الذي بدر من رئيس النقابة الجزائرية للأئمة جلول حجيمي، المتحدّث يرى أنه كان على السلطات الجزائرية ألا تجبر الجزائريين على التوجّه إلى البنوك التي تفرض "فوائد ربوية"، ويؤكّد حجيمي أنه التقى بمسؤولي "منتدى رؤساء المؤسسات" القريب من السلطة الجزائرية، وطرح عليهم منح الخيار بالنسبة لمن يريد اقتناء سيارة مركبة محليًا. مضيفًا أن هناك بنوكًا اسلامية تنشط في الجزائر، وتتفادى فرض الفوائد الربوية، لكنها تطرح أشكالًا أخرى (شرعية) لاقتناء السيارات كالمرابحة، وهذه البنوك محبذة في أوساط الجزائريين ممن لديهم دخل متوسط ويريدون شراء سيارات بالتقسيط.

من جهته، يرى النائب البرلماني نعمان لعور، أن الإجراء المتّبع جاء بسبب احتكار السوق الجزائرية، وقال إن الدولة الجزائرية تدفع الناس نحو "الفوائد الربوية"، في إشارة منه إلى التعامل مع البنوك التي تفرض دفع الفوائد. النائب لعور المنتمي إلى حركة "حمس" السياسية ذات التوجّه الإسلامي، يؤكّد أيضا أن هناك محاولات لإذلال الجزائريين، بتغييب خيارات اقتناء سيارات بطريقة مباشرة، وبيع كل السيارات المجمعة محليًا عن طريق البنوك، بدل وكلاء السيارات.

المساهمون