إلى أين يتجه الاقتصاد السعودي بعد مقتل خاشقجي؟ سؤال يطرح بشدة في دوائر المال العالمية، ولكن من الصعب رسم صورة غير شديدة القتامة للاقتصاد السعودي بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بهذا الأسلوب البشع، واتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه وراء جريمة الاغتيال من وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه".
ورغم مراوغات الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى عبر تصريحات متناقضة لحماية بن سلمان، فإن الصورة الاستثمارية لم تتغير. يبدو أن هناك شبه إجماع من مجتمع الأعمال في السعودية وخارجها، أن البلاد تواجه أزمة عميقة على صعيد الثقة الاستثمارية والحصول على قروض من المصارف العالمية، ومن ثم باتت المملكة أمام الاختيار بين مستقبلها الاقتصادي، وبقاء بن سلمان في الحكم.
وسط هذا المشهد المضطرب حول المستقبل السياسي لبن سلمان في ولاية العهد، يواصل الأثرياء تهريب ثرواتهم خارج السعودية. كما تتسارع خطوات إخراج المستثمرين الأجانب لأموالهم من السوق السعودي، إذ رفض معظمهم المشاركة في منتدى الاستثمار السعودي "دافوس في الصحراء"، الذي عقد نهاية الشهر الماضي في الرياض، وسحبت صناديق الاستثمار أموالها من البورصة السعودية، وتتردد البنوك الأجنبية في منح قروض للسعودية رغم ثرائها النفطي.
ويتواكب مع هذه العوامل انخفاض أسعار النفط والتوقعات بتدهور أسعار النفط خلال العامين المقبلين، حسب تقديرات مصرف "جي بي مورغان" الأميركي الأخيرة.
أزمة ثقة متصاعدة
ومن ثم، فهنالك أزمة ثقة محلية ودولية في الاقتصاد السعودي، من الصعب تجاوزها دون حدوث تغيير استراتيجي في قضية مقتل خاشقجي، التي تتجه نحو المحاكم الدولية خلال الشهور المقبلة.
تترجم هذه الأزمة على الصعيد المحلي في هرب الثروات المحلية من السعودية إلى عواصم المال الغربية. في هذا الصدد، يقدر مصرف "جي بي مورغان" الأميركي في أحدث تقرير، حجم الثروات السعودية التي ربما ستهرب من المملكة إلى الخارج خلال العام الجاري بنحو 90 مليار دولار.
اقــرأ أيضاً
وهي بهذا الرقم تفوق حجم الاستثمارات التي هربت من المملكة في العام الماضي، والبالغة 80 مليار دولار بنحو 10 مليارات دولار. وذلك وفقاً لتقرير "جي بي مورغان" في الشهر الجاري.
ولكن هذه الأرقام هي التي تمكنت بعض المصارف الاستثمارية من رصدها، وربما يكون الرقم الحقيقي الذي هرب من السعودية يفوق ذلك كثيراً في أعقاب جريمة الاغتيال البشعة للصحافي والكاتب جمال خاشقجي. ويتوقع مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، أن يتزايد حجم الأموال السعودية التي ستهرب من السعودية خلال العام المقبل 2019.
وكانت تقديرات المصرف السابقة في شهر أغسطس/ آب تقلّ كثيراً عن هذه التقديرات، وتقدر بنحو 80 مليار دولار. هذا على صعيد رأس المال الوطني، الذي يقول بن سلمان إنه سيعتمد عليه في خطة التحول من الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد غير النفطي، أي الذي يعتمد على القطاع الخاص.
وحسب تقارير غربية، من بينها ما نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن رجال المال في السعودية ومنذ اعتقالات الأمراء وكبار رجال الأعمال في الريتز وتحت مسمى "محاربة الفساد"، التي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب، باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل مشاريع بالسعودية.
مخاوف من الإقراض
ويشير تقرير في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن أثرياء السعودية يتحينون الفرص لتهريب ثرواتهم من السعودية. ومنذ العام الماضي شرعت السلطات السعودية بتجميد العديد من الحسابات، كما تتم مراقبة لصيقة من البنوك على حركة التحويلات المصرفية خارج السعودية.
وعلى صعيد ثقة البنوك في السعودية، تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير يوم الأربعاء، إن شركة أرامكو تتردد حالياً في الاستدانة من المصارف العالمية عبر إصدار سندات، إذ إنها تتخوف من متطلبات الإفصاح التي ستطالبها بها البنوك.
ولم تستبعد الصحيفة المالية الأميركية المرموقة أن تقود جريمة اغتيال خاشقجي، العديد من المصارف العالمية إلى رفض إقراض السعودية أو ربما ابتزازها برفع نسبة الفائدة على القروض، لتغطية المخاطر المتزايدة في البلاد، وخاصة أن أسعار النفط تتجه للانخفاض خلال العامين المقبلين.
وتشير الصحيفة التي تنسب هذه المخاوف إلى مطلعين على طلب أرامكو الاستدانة من مصارف دولية. ويذكر أن شركة أرامكو كانت طلبت من مصارف عالمية ترتيب قرض بقيمة 70 مليار دولار قبل أزمة خاشقجي.
وتقول "وول ستريت جورنال"، إن مديري أرامكو يتخوفون من أن المستثمرين الدوليين قد فقدوا الشهية لشراء سندات الدين السعودية. وعلى صعيد الدخل النفطي الذي لا يزال عماد الاقتصاد في السعودية، يتوقع تقرير شركة جدوى السعودية الصادر يوم الثلاثاء، أن يتراجع دخل السعودية النفطي للعام الجاري عن تقديرات سابقة وضعت له أكثر من 220 مليار دولار إلى نحو 180 مليار دولار، ولكن من المحتمل أن يقل عن ذلك في عام 2019 وعام 2020.
وقال مصرف "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأميركية، بأن أسعار النفط ستنخفض في العامين المقبلين بأكثر من 10 دولارات في العام المقبل وبنحو 19 دولاراً في عام 2020، أي إلى 73 دولاراً و64 دولاراً لخام برنت في المتوسط.
الاقتصاد المرتهن
ومن ثم يمكن تلخيص أزمة الاقتصاد السعودي بأنه يواجه أزمة ثقة على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ يتخوف صاحب المال السعودي على ثروته بعد "اعتقالات الريتز ومقتل خاشقجي"، كما تنظر مؤسسات المال الغربية له بأنه رهينة لولي العهد السعودي، وسط غياب أي مرجعية قانونية يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للمستثمر الأجنبي وشريكه المحلي.
في هذا الصدد تقول البروفسورة الأميركية كارن يونغ، إن أولى متطلبات تدفق الاستثمارات في القطاع الخاص هي "الشعور بالأمان والمرجعية القانونية". وذلك ببساطة لأن المال لا يمكن أن يستقر في بلد لا توجد فيه قوانين مستقلة ومرجعيات مستقلة، يمكن الاستناد عليها في توظيف الاستثمارات وتحميه من تغول الدولة وأعوانها.
وحسب البروفسورة كارن يونغ المتخصصة في شؤون التجارة والأعمال بمنطقة الخليج، فإن هذه المرجعية غير موجودة في السعودية.
وأكبر دليل على ذلك غياب الشاغلين لمدينة "الملك عبد الله الاقتصادية"، التي أسست لتخلق من الرياض مركزاً مالياً، ولكنها حتى الآن توجد فيها العديد من ناطحات السحاب والقليل جداً من الشركات ورجال الأعمال.
ورغم مراوغات الرئيس دونالد ترامب الذي يسعى عبر تصريحات متناقضة لحماية بن سلمان، فإن الصورة الاستثمارية لم تتغير. يبدو أن هناك شبه إجماع من مجتمع الأعمال في السعودية وخارجها، أن البلاد تواجه أزمة عميقة على صعيد الثقة الاستثمارية والحصول على قروض من المصارف العالمية، ومن ثم باتت المملكة أمام الاختيار بين مستقبلها الاقتصادي، وبقاء بن سلمان في الحكم.
وسط هذا المشهد المضطرب حول المستقبل السياسي لبن سلمان في ولاية العهد، يواصل الأثرياء تهريب ثرواتهم خارج السعودية. كما تتسارع خطوات إخراج المستثمرين الأجانب لأموالهم من السوق السعودي، إذ رفض معظمهم المشاركة في منتدى الاستثمار السعودي "دافوس في الصحراء"، الذي عقد نهاية الشهر الماضي في الرياض، وسحبت صناديق الاستثمار أموالها من البورصة السعودية، وتتردد البنوك الأجنبية في منح قروض للسعودية رغم ثرائها النفطي.
ويتواكب مع هذه العوامل انخفاض أسعار النفط والتوقعات بتدهور أسعار النفط خلال العامين المقبلين، حسب تقديرات مصرف "جي بي مورغان" الأميركي الأخيرة.
أزمة ثقة متصاعدة
ومن ثم، فهنالك أزمة ثقة محلية ودولية في الاقتصاد السعودي، من الصعب تجاوزها دون حدوث تغيير استراتيجي في قضية مقتل خاشقجي، التي تتجه نحو المحاكم الدولية خلال الشهور المقبلة.
تترجم هذه الأزمة على الصعيد المحلي في هرب الثروات المحلية من السعودية إلى عواصم المال الغربية. في هذا الصدد، يقدر مصرف "جي بي مورغان" الأميركي في أحدث تقرير، حجم الثروات السعودية التي ربما ستهرب من المملكة إلى الخارج خلال العام الجاري بنحو 90 مليار دولار.
وهي بهذا الرقم تفوق حجم الاستثمارات التي هربت من المملكة في العام الماضي، والبالغة 80 مليار دولار بنحو 10 مليارات دولار. وذلك وفقاً لتقرير "جي بي مورغان" في الشهر الجاري.
وكانت تقديرات المصرف السابقة في شهر أغسطس/ آب تقلّ كثيراً عن هذه التقديرات، وتقدر بنحو 80 مليار دولار. هذا على صعيد رأس المال الوطني، الذي يقول بن سلمان إنه سيعتمد عليه في خطة التحول من الاقتصاد النفطي إلى الاقتصاد غير النفطي، أي الذي يعتمد على القطاع الخاص.
وحسب تقارير غربية، من بينها ما نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن رجال المال في السعودية ومنذ اعتقالات الأمراء وكبار رجال الأعمال في الريتز وتحت مسمى "محاربة الفساد"، التي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب، باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل مشاريع بالسعودية.
مخاوف من الإقراض
ويشير تقرير في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن أثرياء السعودية يتحينون الفرص لتهريب ثرواتهم من السعودية. ومنذ العام الماضي شرعت السلطات السعودية بتجميد العديد من الحسابات، كما تتم مراقبة لصيقة من البنوك على حركة التحويلات المصرفية خارج السعودية.
وعلى صعيد ثقة البنوك في السعودية، تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير يوم الأربعاء، إن شركة أرامكو تتردد حالياً في الاستدانة من المصارف العالمية عبر إصدار سندات، إذ إنها تتخوف من متطلبات الإفصاح التي ستطالبها بها البنوك.
ولم تستبعد الصحيفة المالية الأميركية المرموقة أن تقود جريمة اغتيال خاشقجي، العديد من المصارف العالمية إلى رفض إقراض السعودية أو ربما ابتزازها برفع نسبة الفائدة على القروض، لتغطية المخاطر المتزايدة في البلاد، وخاصة أن أسعار النفط تتجه للانخفاض خلال العامين المقبلين.
وتشير الصحيفة التي تنسب هذه المخاوف إلى مطلعين على طلب أرامكو الاستدانة من مصارف دولية. ويذكر أن شركة أرامكو كانت طلبت من مصارف عالمية ترتيب قرض بقيمة 70 مليار دولار قبل أزمة خاشقجي.
وتقول "وول ستريت جورنال"، إن مديري أرامكو يتخوفون من أن المستثمرين الدوليين قد فقدوا الشهية لشراء سندات الدين السعودية. وعلى صعيد الدخل النفطي الذي لا يزال عماد الاقتصاد في السعودية، يتوقع تقرير شركة جدوى السعودية الصادر يوم الثلاثاء، أن يتراجع دخل السعودية النفطي للعام الجاري عن تقديرات سابقة وضعت له أكثر من 220 مليار دولار إلى نحو 180 مليار دولار، ولكن من المحتمل أن يقل عن ذلك في عام 2019 وعام 2020.
وقال مصرف "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأميركية، بأن أسعار النفط ستنخفض في العامين المقبلين بأكثر من 10 دولارات في العام المقبل وبنحو 19 دولاراً في عام 2020، أي إلى 73 دولاراً و64 دولاراً لخام برنت في المتوسط.
الاقتصاد المرتهن
ومن ثم يمكن تلخيص أزمة الاقتصاد السعودي بأنه يواجه أزمة ثقة على الصعيدين الداخلي والخارجي، إذ يتخوف صاحب المال السعودي على ثروته بعد "اعتقالات الريتز ومقتل خاشقجي"، كما تنظر مؤسسات المال الغربية له بأنه رهينة لولي العهد السعودي، وسط غياب أي مرجعية قانونية يمكن الاعتماد عليها بالنسبة للمستثمر الأجنبي وشريكه المحلي.
في هذا الصدد تقول البروفسورة الأميركية كارن يونغ، إن أولى متطلبات تدفق الاستثمارات في القطاع الخاص هي "الشعور بالأمان والمرجعية القانونية". وذلك ببساطة لأن المال لا يمكن أن يستقر في بلد لا توجد فيه قوانين مستقلة ومرجعيات مستقلة، يمكن الاستناد عليها في توظيف الاستثمارات وتحميه من تغول الدولة وأعوانها.
وأكبر دليل على ذلك غياب الشاغلين لمدينة "الملك عبد الله الاقتصادية"، التي أسست لتخلق من الرياض مركزاً مالياً، ولكنها حتى الآن توجد فيها العديد من ناطحات السحاب والقليل جداً من الشركات ورجال الأعمال.
ويقول خبراء إن شهية المستثمرين الأجانب لوضع أموال في السوق السعودي قد انتهت. وفي هذا الصدد، يؤكد الاقتصادي المتخصص في المنطقة العربية، بمعهد التمويل الدولي، غاربس أرديان، "أن المستثمرين الأجانب ليست لديهم شهية للاستثمار في السوق السعودي بعد مقتل خاشقجي".
ويضيف، "هناك بعض الأسماء ستتعامل مع السوق السعودي، ولكن ذلك لن يكون كافياً للتحول الاقتصادي في المملكة". وحتى قبل اغتيال الصحافي خاشقجي، يتواصل هروب الاستثمارات الأجنبية من السعودية، حيث سحب الأجانب نحو 165 مليون دولار في سبتمبر/أيلول من السعودية و1.4 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول.
وهذه الأرقام قد تبدو ضئيلة، ولكنها بحجم الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على المملكة خلال عام 2017، فإنها كبيرة جداً، إذ يقول تقرير منظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة إن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت السعودية عام 2017 بأكمله لم تتجاوز 1.4 مليار دولار.
ويضيف، "هناك بعض الأسماء ستتعامل مع السوق السعودي، ولكن ذلك لن يكون كافياً للتحول الاقتصادي في المملكة". وحتى قبل اغتيال الصحافي خاشقجي، يتواصل هروب الاستثمارات الأجنبية من السعودية، حيث سحب الأجانب نحو 165 مليون دولار في سبتمبر/أيلول من السعودية و1.4 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول.
وهذه الأرقام قد تبدو ضئيلة، ولكنها بحجم الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على المملكة خلال عام 2017، فإنها كبيرة جداً، إذ يقول تقرير منظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة إن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت السعودية عام 2017 بأكمله لم تتجاوز 1.4 مليار دولار.