وبخلاف رفض عدد من النواب التوقيع على لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان، فإنّ عدداً من الهيئات المحلية للحزب أعلنت التمرّد على قيادته، وأصدرت بيانات تأييد لصالح بوحجة ضد مناوئيه من النواب، كهيئات الحزب في ولاية تيزي وزو، شرقي الجزائر، والمسيلة، وسط البلاد.
وفي تطور جديد، اتهم بوحجة قادة حزبي السلطة، "جبهة التحرير الوطني" الذي يديره وزير التضامن الأسبق جمال ولد عباس، و"التجمّع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، بـ"التواطؤ والتآمر" للإطاحة به من منصبه. وقال بوحجة في لقاء مع الصحافيين، أمس الخميس: "علمت منذ أيام أنّ هناك مؤامرة تستهدف الإطاحة بي، بعد اتفاق بين أحمد أويحيى وجمال ولد عباس، يقضي بدفعي إلى الاستقالة من منصبي، على أن يتم انتخاب صديق شهاب، العضو القيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، رئيساً للبرلمان، فيما يعيّن جمال ولد عباس رئيساً لمجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان)، بعد انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة في الرابع من ديسمبر/ كانون الأوّل المقبل". ويطمح ولد عباس لأن يصبح الرجل الثاني في الدولة، خلفاً لرئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الذي يعاني من وعكة صحية منذ أشهر.
وأضاف بوحجة "لو لم يكن هناك اتفاق، كيف تتفق كل هذه الأحزاب على مشكلة داخلية تخصّ جبهة التحرير الوطني"، متهماً الأحزاب والكتل المناوئة له بـ"الإساءة إلى الجزائر وإلى الإصلاحات السياسية التي أنجزها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة". وجدد تمسكه بمنصبه كرئيس للبرلمان، قائلاً إنه لن يتركه "ما لم ترد إليّ رسالة من الرئاسة تؤكّد لي أنّ التنحي من رئاسة المجلس هي رغبة من الرئيس بوتفليقة، وما لم يكن هناك احترام للإجراءات الدستورية".
وكشف بوحجة أنّه وجّه رسالة إلى بوتفليقة لمعرفة موقفه من الأزمة الحالية، غير أنّه وبرغم ذلك، فإنّ الرئاسة الجزائرية تتحاشى التدخّل في الوقت الحالي في الأزمة البرلمانية، تلافياً لأي إجراء غير دستوري، إذ يعتبر الدستور البرلمان مؤسسة سيادية منتخبة ومستقلة عن الرئاسة.
وتعقيباً على هذه التطورات، قال القيادي والمتحدّث باسم حزب "تجمع أمل الجزائر" محمد نبيل يحياوي، لدى سؤال "العربي الجديد" له عن مبررات توقيع كتلة حزبه مع نواب الكتل الأخرى ضدّ رئيس البرلمان، قال إنّ "ذلك يأتي في إطار التضامن النيابي"، من دون أن يقدّم أي مبررات سياسية. لكنّ مراقبين يعتقدون أنّ المشهد السياسي في حالة الأزمة النيابية، يؤشر إلى وجود جهة ما تتلاعب بنواب البرلمان، تتمثّل إمّا بالرئاسة الجزائرية أو باتفاق خارج إطار الرئاسة بين ولد عباس وأويحيى للإطاحة برئيس البرلمان وافتعال أزمة نيابية. ومن المعروف أنّ الرئاسة تمسك بكل مقاليد الحكم والقرار في جميع المؤسسات في البلاد، بما في ذلك المؤسسات الدستورية، كالبرلمان المستقلّ دستورياً في قراره. وفي الوقت الذي تتجنّب الرئاسة إعطاء إشارة تزكية لرئيس البرلمان أو دعوته للتنحي، تحرّض بطريقة غير مباشرة النواب على توقيع لائحة لدعوته إلى الاستقالة والتنحي، خصوصاً أنّ تحركاً سياسياً في هذا المستوى لا يمكن أن يتم في العرف السياسي في الجزائر من دون دفع من الرئاسة.
ويربط محللون هذه المعطيات مع معلومات تشير إلى أنّ هذه الأزمة كانت تستهدف دفع الرئاسة إلى تأجيل الإعلان عن حكومة جديدة وتغييرات شاملة في الفريق الحكومي، كان مقرراً أن تعلن عنها الرئاسة خلال هذا الأسبوع بعد سلسلة تغييرات مسّت الجيش والأجهزة الأمنية ومحافظي الولايات. وذهب المحلّل السياسي، أحسن خلاص، في هذا الاتجاه، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الرئاسة كانت تعدّ قائمة لحكومة جديدة يغلب عليها الطابع غير الحزبي، ويتقلّص فيها تمثيل أحزاب التحالف المناوئة لرئيس البرلمان السعيد بوحجة، لصالح التكنوقراط، وتمت إثارة هذه الأزمة لتعطيل ذلك".
وبقرار الكتل الخمس ورؤساء اللجان الدائمة في اجتماعهم الأخير، الأربعاء، التجميد الكلي لنشاط البرلمان إلى حين تنحي بوحجة، فإنّ تعطلاً آخر أكثر تأثيراً ستشهده البلاد، ويتعلّق بتعطيل المناقشة والمصادقة على قانون الموازنة الحكومية لعام 2019، والتي تتضمّن أيضاً المخصصات المالية المتعلّقة بتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في ربيع العام القادم.
إلى ذلك، عرضت كتلة "حركة مجتمع السلم" (إخوان الجزائر)، القيام بدور الوساطة بين نواب الكتل الخمس ورئيس البرلمان، لإنهاء الأزمة الحالية. وقال رئيس الكتلة أحمد صادوق لـ"العربي الجديد"، إن "الكتلة مستعدّة للقيام بدور الوساطة، وبأي جهد من أجل إنهاء هذه الأزمة التي أساءت إلى البرلمان الجزائري والنواب وإلى مؤسسات الدولة والجزائر بشكل عام، خصوصاً أنّ البلد في وضع هشّ لا يحتمل صراعات وأزمات مماثلة". وفي ظل هذه التطورات، فإنّ الكثير من المتابعين يعتقدون أنّ بوحجة، المعروف باتزانه، قد يتّجه إلى تقديم استقالته تجنباً لإطالة أمد الانسداد في البرلمان.