ضربت جدة ومكة والطائف (غربي السعودية)، أزمة نقص حادة في أسطوانات غاز الطهي، ما أوجد سوقاً سوداء لبيع الأسطوانة بسعر يتجاوز 100 ريال (27 دولاراً)، مقارنة بسعرها الرسمي البالغ 15 ريالاً (4 دولارات).
وكانت الأزمة بدأت في رفحاء والمناطق الشمالية في البلاد أواخر العام الماضي، ما أدى إلى
زيادة المخاوف من انتقال الأزمة لباقي المناطق في وسط وشرق البلاد، حسب خبراء.
وتسببت أزمة غاز الطهي بإطاحة رئيس مجلس إدارة شركة الغاز والتصنيع الأهلية، سلمان الجشي، وتعيين الدكتور إياس الهاجري رئيساً تنفيذياً للشركة، على أمل الخروج من الأزمة التي اشتعلت في العديد من المناطق.
وتسببت الأزمة، في تعطل العديد من المطاعم في مكة وجدة والطائف التي بدت خالية من الزوار لعدم وجود غاز الطهي، في حين اضطر أصحاب عشرات الآلاف من المطاعم الأخرى إلى الانتظار ساعات طويلة في الطوابير أمام منافذ البيع الرسمية، أو شرائها بأسعار غالية من السوق السوداء التي وصل سعر الأسطوانة فيها إلى أكثر من 100 ريال (27 دولاراً)، ما تسبب في خسائر فادحة للمطاعم.
ويرجع مصدر داخل الشركة، رفض ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد"، سبب الأزمة لنقص الموظفين، قائلاً إن "استقالة كثير من الموظفين في الفترة الماضية أضعف قدرة مصنع جدة على تلبية الطلب، بالإضافة إلى عدم تعيين موظفين جدد بدلاً منهم".
ويرجع سبب كثرة الاستقالات لإيقاف الإدارة العليا العلاوة السنوية لموظفي الشركة، إضافة إلى فصل عدد آخر منهم دون أن تكون هناك خطة لتوظيف آخرين، وهو أمر تسبب في الإطاحة بالجشي.
ومن جانبها، أكدت شركة الغاز للتصنيع، في بيان أول من أمس، أنها مدّدت فترات العمل في فرع جدة حتى الساعة الثالثة فجراً، وزادت الطاقم الفني لرفع مستوى الإنتاج فوق المعدلات الطبيعية.
وقالت الشركة إنها "أمدت الأسواق بأكثر من 370 ألف أسطوانة خلال الأسبوع الماضي"، غير أن خبراء أكدوا أن هذا الرقم غير كاف لمدينتين (مكة وجدة) يقارب عدد سكانهما 6 ملايين نسمة، ناهيك عن أن مكة يزورها يوميا أكثر من 300 ألف زائر لأداء العمرة".
وشهدت بعض منافذ البيع تزاحماً كبيراً لسيارات محملة بأسطوانات الغاز الفارغة، في الوقت الذي قالت فيه الشركة إنها نسقت مع شركة أرامكو لاستلام كميات إضافية من الغاز من مصفاة القطيف، وأنه سيتم وقف أعمال الصيانة المجدولة في مصفاة ينبع بهدف ضخ المزيد من الغاز في السوق المحلية.
غير أن صاحب محل توريد غاز في جدة، حسن ربيعي، أكد لـ "العربي الجديد" أن تلك
الخطوات لم تكن كافية.
وقال "الخطوات التي تحاول شركة الغاز أن تقوم بها لحل الأزمة لم تفعل شيئاً، لأننا من الأساس نعاني من مشكلة نقص حاد في الكميات المطروحة مقارنة بالطلب المتزايد". وأضاف "عندما تقوم الشركة بتوريد 400 ألف أنبوبة غاز في أسبوع، بينما الطلب يتجاوز المليون أنبوبة فهذا يعني أن هذا الرقم لم يحل الأزمة ولن يكون حتى قريبا من ذلك".
وبدأت أزمات غاز الطهي في رفحاء (شمال السعودية) بعد أن وصلت الأزمة في المدينة التي تقع على الحدود السعودية العراقية لذروتها قبل ستة أشهر، قبل أن تنحسر قليلاً وتعاود الظهور بين فترة وأخرى، وطوال تلك المدة كان من المعتاد أن تخلو محلات الغاز منه لعدة أيام في الأسبوع، لعدم قدرة الموردين على الحصول على أسطوانات الغاز بسهولة بسبب نقل التعبئة من مصنع الغاز في القصيم لمصنع الغاز في الدمام، والذي يبعد عن المدينة 850 كيلومتراً، وهي الأزمة التي استمرت عدة شهور دون حلول حاسمة، وما زالت تطل برأسها بين فترة وأخرى.
ويؤكد المواطن، هزيع الشمري، لـ "العربي الجديد"، أن انقطاع الغاز بات مشهداً مكرراً في رفحاء بشكل يومي منذ أكثر من شهرين، حيث ينتظر المواطنون لمدة تصل إلى ثلاثة أيام أسبوعياً، كما لا يوجد غاز في المحلات.
ومن جانبه، يكشف الإعلامي زيد الشراري، لـ "العربي الجديد"، عن استغلال البعض للأزمة وإحضار أسطوانات غاز من حفر الباطن وبيعها في جدة بأسعار مبالغ فيها، مشيراً إلى أنه لا يوجد سوى ستة موزعين للغاز في المنطقة، وهم لا يغطون في الأساس احتياج المدينة والقرى المحيطة بها.
وكان سبب الأزمة في رفحاء والمناطق الشمالية إدارياً ولم يكن طارئا أو بسبب وجود خلل في المصانع، وبحسب موزع الغاز في المدينة الشمالية محمد راضي، لـ "العربي الجديد"، بدأت الأزمة منذ فترة ولكنها تضاعفت بعد أن تم نقل إمداد الغاز في المدينة من القصيم لمصنع الغاز في المنطقة الشرقية.
ويقول راضي "لم نكن نتوقع أن تصل المشكلة إلى هذا الحجم، فالمسافة التي نقطعها للحصول على الغاز في مصنع الدمام أكثر من 850 كيلومتراً وهو يحتاج لثلاثة أيام لتصل السيارة، وهو ما يعني أننا نجلس طول هذه المدة بلا غاز، خاصة وأن طابور الانتظار أمام المصنع يحتاج ليوم كامل وأحياناً يومين"، ويكشف راضي أنهم يجلبون في الرحلة الواحدة 735 أسطوانة غاز، ولكنها تنفد خلال أقل من خمس ساعات"، ويضيف "أن الشركة ترفض إيصال
الغاز لنا وتلزمنا بالذهاب لمصانع هي تحددها لنا".
ويتابع الراضي "جلسنا لفترة طويلة بلا حلول، حيث ندفع ثمن النقل من جيوبنا، وفي نفس الوقت لا نستطيع تحميل جزء من هذه المصاريف على قيمة الغاز المحددة من وزارة التجارة ولا نستطيع أن نتجاوزه".
وفي نفس السياق، يشدّد موزع الغاز باتل الشمري، على أن المشكلة تفوق قدرة شركة الغاز، ويقول، لـ "العربي الجديد": "الشركة متعاونة معنا ولكن الأمر فوق طاقتها، وتحويلنا لمصنع المنطقة الشرقية تسبب في نقص حاد في الغاز في المنطقة"، ويضيف: "يتحسن الوضع قليلا ولكن تعود الأزمة بقوة في بعض الأوقات، وصحيح أنه بات هناك غاز في المطاعم أكثر من السابق ولكنه لا يكفي".