تفيد الأنباء الآتية من جنوب اليمن بأن جزءاً كبيراً من أسباب الإخفاق العسكري لمقاتلي ما بات يعرف بـ"المقاومة الشعبية"، أي المقاتلون الموالون للشرعية والرافضون لتحالف الانقلاب، يعود أساساً إلى أزمة القيادة العسكرية ــ السياسية التي تُترجم بفوضى عارمة في التخطيط وإدارة المعارك جنوباً، وهو ما انعكس في الأيام الأخيرة على شاكلة نقص ذخيرة ومؤن حتى بالنسبة للمقاتلين الذين يواجهون في المقابل "جيشاً" منظماً. صحيح أن الساعات الـ24 الماضية شهدت استعادة المقاتلين المؤيدين للشرعية جزءاً كبيراً من مطار عدن، إلا أنه في المقابل حصل المزيد من التدهور على جبهة خور مكسر. عسكرياً، يجري التعبير عن الإخفاق على هيئة شهادات وصل بعضها إلى "العربي الجديد"، من قلب عدن، تصف كيف أنه لم يتم التجاوب مع نداءات "المقاومة" بضرورة إغلاق مداخل عدن لحماية الجنوب عموماً، خصوصاً لجهة الضالع. وضع مزرٍ يرى كثيرون أنه ناجم عن عدم حصول تعيينات سياسية في المناصب العسكرية لتحل مكان القيادات الميدانية والقيادية التي إما اعتقلت أو قتلت أو هربت أو انقلبت على الشرعية السياسية، وهو ما قد يطرح نفسه بقوة على جدول أعمال مؤتمر الرياض منتصف الشهر الحالي.
ويحاول الحوثيون فتح المزيد من الجبهات، بغية تخفيف الضغط عن أنفسهم عقب ارتكابهم مجزرة في أحيائها. وتأتي محاولاتهم في وقتٍ اتّهم فيه تقرير سري صادر عن الأمم المتحدة، إيران بمدّ الحوثيين بالسلاح في السنوات الماضية، بدءاً من العام 2009، وهو العام الذي حارب فيه الحوثيون الجيشين اليمني والسعودي.
وما زالت تداعيات مجزرة خور مكسر، تُلقي بظلالها على الأحداث في عدن، ومعها امتدت المواجهات المسلحة إلى حدود مدينة التواهي، غرب عدن، أثناء محاولة الحوثيين فتح جبهة جديدة، لفكّ الضغط. وبدا أن أسحة ثقيلة وصلت إلى أيدي "المقاومة" في الأسبوع الأخير من المواجهات في عدن، فضلاً عن الاستيلاء على غنائم من قوات الحوثيين وصالح، وفقاً لما أكده مصدر قيادي في "المقاومة" لـ"العربي الجديد".
وكانت "المقاومة" تمكنت من إجبار مليشيات الحوثيين وصالح، على التراجع في أكثر من مدينة، لا سيما في دار سعد وأطراف مدينة التواهي، واقتربت من السيطرة على ما تبقّى من مطار عدن ومعسكر بدر، معقل الحوثيين في خور مكسر، مع اكتشافها وجود أنفاق داخل المطار والمعسكر.
اقرأ أيضاً: مجازر متنقلة في عدن... ومؤتمر يمني في مايو بالرياض
في المقابل، شنّت طائرات تحالف "إعادة الأمل"، غارات استهدفت مواقع للحوثيين في جزيرة العمال، وعددا من مواقع شرق وغرب خور مكسر، كما شنّت غارات على مواقع للحوثيين شمال مدينة عدن، ولا سيما في دار سعد، واستهدفت بعض المباني التي تتمركز فيها مليشيات الحوثيين وصالح وقناصتهم. أما الحوثيون وصالح، فقاموا بتفجير عدد من المنازل في مدينة الوهط في محافظة لحج.
وفي ظل التحركات الميدانية، خرّجت "المقاومة الشعبية الجنوبية"، في مناطق ردفان والضالع، دفعات من عناصرها. وفي ظلّ هذا الوضع، يتنامى استنكار المجموعات والمنظمات الدولية حيال استخدام قوات الحوثيين وصالح، حصانة عدد من المباني الدبلوماسية، لقصف الأحياء السكنية وتحويلها إلى مراكز عمليات لهم. واستنكرت منظمات حقوق الإنسان وناشطون حقوقيون استخدام الحوثيين وصالح مقارّ البعثات الدبلوماسية، لارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، لا سيما القنصليتين الروسية والألمانية، في ظلّ صمت دولي حيال تحويل مقارّ قنصليات الدول لثكنات عسكرية.
وأبدى قيادي في "الحراك الجنوبي"، رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، استغرابه من "الصمت الروسي، حيال استخدام الحوثيين وصالح، لقنصليتها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية". وأضاف "كما نستغرب الموقف الروسي تجاه غزو الحوثيين وصالح الجنوب، وشنّهم حرباً شعواء وقتلهم المدنيين، وتدمير المدن والأحياء السكنية، وارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في الجنوب وعدن بالذات". وطالب المصدر روسيا، بـ "تغيير موقفها الداعم لهذه المليشيات ورفضها"، مذكراً موسكو بـ "علاقتها السابقة في الجنوب ما قبل الوحدة".
كما قُتل أربعة من مسلحي "المقاومة"، وأُصيب خمسة آخرون، في عدن، بعد أن حاصرتهم مجموعة من الحوثيين في منطقة بجوار مستوصف الفيروز في مدينة دار سعد بمحافظة عدن. وأوضح مصدر لـ "الأناضول"، أن "مسلحي المقاومة اشتبكوا مع مسلحي الحوثي بهدف فك الحصار المفروض على تلك المجموعة، وهو ما أدى إلى مقتل وجرح العناصر، بالإضافة إلى فكّ الحصار".
تقرير سري
من جهة أخرى، ذكر تقرير سري لخبراء في الأمم المتحدة رُفع إلى مجلس الأمن، ليل الخميس ـ الجمعة، أن "إيران تُقدّم أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، منذ العام 2009 على الأقلّ"، وفقاً لما نقلته وكالة "فرانس برس" من النص الحرفي للتقرير الذي حصلت عليه. وأُحيل التقرير إلى لجنة "العقوبات على إيران" الأسبوع الماضي. ولا تخفي طهران دعمها للحوثيين، لكنها تنفي مدّهم بالسلاح. وأبصر التقرير النور بعد تحقيقٍ أجراه خبراء، إثر اقتياد السلطات اليمنية في العام 2013 سفينة "جيهان" الإيرانية، التي كانت تنقل أسلحة. وتفيد المعلومات التي تم الحصول عليها، بأن "هذه السفينة لم تكن الأولى بل سبقتها عمليات تسليح أخرى في اليمن، تعود إلى العام 2009".
وذكر الخبراء أن "التحليل يشير أيضاً إلى أن إيران كانت مصدر التسليح، وأن المستفيدين هم الحوثيون في اليمن، وربما في بعض الحالات جهات أخرى في البلدان المجاورة". وأضاف التقرير أن "الدعم العسكري الحالي من إيران للحوثيين، ثَبُت بعمليات نقل أسلحة التي جرت في آخر خمس سنوات". وإضافة إلى "جيهان"، حدّد الخبراء خمس حالات قامت خلالها سفن إيرانية بنقل أسلحة إلى اليمن.
وكشف التقرير، أنه في أبريل/نيسان 2009، قام طاقم سفينة إيرانية مجهولة، بنقل صناديق أسلحة في المياه الدولية إلى مراكب يمنية. ثم تمّ نقل الصناديق إلى مزرعة في اليمن، لاستخدامها من قبل الحوثيين. ووفقاً للتقرير أيضاً، تمّ ضبط مركب صيد إيراني من قبل السلطات اليمنية في شباط/فبراير 2011، أثناء قيامه بنقل 900 صاروخ مضاد للدبابات والطائرات، صُنعت في إيران وكانوا متجهين للحوثيين.
اقرأ أيضاً مصالحات يمنية في الرياض: مشاورات لتوحيد الأطراف الجنوبية