أسئلة إلى سيادة الإمارات
لم يتوقف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، عن التغريد والزعيق منذ كشف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن اتفاق توصلت إليه الإمارات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبصرف النظر عن التدخل السافر لترامب في فضح سرّ من أسرار الشأن الإماراتي الداخلي، إلا أن أهم ما غرّد به قرقاش تكراره أن قرار التطبيع مع إسرائيل "قرار سيادي"، وأن دولة قرقاش لا تقبل التدخل في قراراتها، كما ترفض التهديد والوعيد، سواء كان مبعثه التنمر أو القلق. وزعم قرقاش إن الاتفاق مع إسرائيل سيفتح آفاق التعاون والتحالف بين البلدين "الديمقراطيين" في مجالات عدة، في مقدمتها الدفاع والاستخبارات.
وبمناسبة الحديث عن "السيادة"، والتعاون في مجالات الأمن والاستخبارات، وأيضاً زيارة رئيس جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد)، يوسي كوهين، إلى الإمارات، ولقائه ولي عهد أبوظبي، يُلحّ السؤال عمّا إذا كان هذا التطور السريع في العلاقات الأمنية بين الطرفين سيسمح بكشف ملابسات اغتيال القيادي الفلسطيني، محمود المبحوح، في أحد فنادق دبي يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2010، وستسمح العلاقات الأخوية بين أبوظبي وتل أبيب بتسليم قتلة المبحوح الموجودين في إسرائيل، حسب تصريحات لقائد عام شرطة دبي السابق ضاحي خلفان.
للأسف، لا يبدو أن الاتفاق التاريخي سيسمح بمثل ذلك، فقد تراجع صقر الأمس، خلفان، عن عنترياته القديمة بـ"ملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قضائياً، حال ثبوت تورّط جهاز المخابرات، الموساد، في اغتيال محمود المبحوح"، واعتبر حمامة السلام ضاحي في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية بعد يومين من توقيع الاتفاق، اغتيال القيادي في حركة حماس قبل قرابة عشر سنوات مجرّد "خطأ استراتيجي من المؤسسة الإسرائيلية". وتابع معاتباً حلفاءه في إسرائيل: "لو أنني علمت بأن جريمةً سوف ترتكب في إسرائيل، في تفجير مثلا لأحد المطاعم، فإنني كنت سوف أبلغ الجهات الأمنية في إسرائيل بذلك، بصفتي رجل أمن".
الأكيد أن اتفاقا قائما على "منطلق القوة"، بوصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لن يسمح لضاحي خلفان لا بالقبض على نتنياهو، ولا مسّ شعرة من فريق الاغتيال الذي انتهك سيادة الإمارات وقتل المبحوح. والحق أن المسؤولين في أبوظبي لم يجرؤوا على مجرد طلب الاعتذار من رئيس جهاز الموساد، يوسي كوهين، الذي حلّ ضيفاً كريماً على الإمارات، أول مرة، الأسبوع الماضي، بصفة علنية.
ومنذ الكشف عن الاتفاق، لم تتوقف حفلات الردح والتطبيل للتغنّي بالمكاسب التي سيحققها الاتفاق مع تل أبيب، للإمارات في مجالات الاستثمار والتجارة والسياحة والطاقة والصحة والزراعة والبيئة والأمن. وعن فضل الاتفاق على الشعب الفلسطيني، بوقف خطط الضم الإسرائيلية، وأفضال أخرى للاتفاق التاريخي عمّت على الأردن الذي سيزداد سلاماً واستقراراً، كما جاء في تغريدات نشرتها سفارة الإمارات في واشنطن يوم 14 من أغسطس/ آب الجاري، بعنوان الفوائد السبع للاتفاق بين الإمارات وإسرائيل.
طبعا، يعلم نتنياهو، الذي كان مطلوبا لضاحي خلفان قبل أشهر، أن لا شيء مما يزعمه الإعلام والمسؤولون في أبوظبي له علاقة باتفاقيةٍ يصفها بأنها "تختلف عن سابقاتها من حيث اعتمادها على مبدأين: السلام مقابل السلام، والسلام من منطلق القوة". ويفضحهم نتنياهو، بوقاحته المعهودة، بتكذيب الروايات الإماراتية الواحدة تلو الأخرى، وتأكيده أن اتفاق التطبيع لا يشمل وقف مخطط ضم أراضٍ فلسطينية لإسرائيل". وجديد الصفعات التي وجهها نتنياهو إلى الحليف الإماراتي، قبل أن يجفّ حبر الاتفاق التاريخي، أن تل أبيب لن تسمح للولايات المتحدة ببيع مقاتلات "F-35" للإمارات التي يُقال إن الاتفاق تضمن بنداً بخصوصها.
يبدو أن الرؤوس المحشوّة بالأوهام في أبوظبي، وغيرها من عواصم عربية زاحفة على بطونها نحو التطبيع مع الاحتلال، لا تقرأ التاريخ جيداً، ولا ترى الراهن بوضوح، ولو حاولت لعلمت أن إسرائيل، التي استسلم لها بعض العرب منذ عقود، لا تفهم إلا منطق القوة، في الحرب والسلام سواء.