أكد عميد المهندسين التونسيين، أسامة الخريجي، أن الحكومة لم تشرك عمادة المهندسين في وضع وثيقة التنمية ومن قبلها في إعداد الوثيقة التوجيهية، مشيراً في مقابلة لـ " العربي الجديد" إلى أن تونس تزخر بنحو 70 ألف مهندس يمثلون قاطرة التنمية، وهنا نص المقابلة:
*كيف تقيمون قطاع الهندسة في تونس بعد الثورة؟
راهنت الدولة، منذ الاستقلال، على التعليم، وخاصة التعليم الهندسي، ويعتبر هذا القطاع من أقدم القطاعات، حيث ورثنا المدرسة الهندسية والتي تسمى المعهد الوطني للهندسة الفلاحية، والتي خرجت دفعة كبيرة من المهندسين. وبعد الاستقلال، انتشرت المدراس الهندسية في مختلف محافظات البلاد على غرار تونس العاصمة والمنستير وقابس وصفاقس. وفي السنوات الأولى بعد الاستقلال، ساهم المهندسون التونسيون خاصة الذين حصلوا على شهادات هندسية من المدارس العليا الفرنسية، بالإضافة إلى الخريجين من المعاهد الوطنية في بناء الاقتصاد الوطني، حيث كانوا رأس حربة مختلف المشاريع الاقتصادية الوطنية، خاصة أن معظمهم تولى قيادة المؤسسات العامة الكبرى في البلاد في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهم من قاموا بالإشراف على المشاريع التنموية الكبرى وتنفيذها.
وبعد تنامي أعداد المتعلمين، خاصة أصحاب الشهادات، بدأت المعاهد الهندسية تتكاثر، ومنذ عام 2000 بدأ إنشاء المدارس الهندسية الخاصة، حيث تم استحداث بين الأعوام 2000 و2010 نحو 16 مدرسة هندسية خاصة، أما بين الأعوام 2011 و2015، فقد تم استحداث 12 مدرسة هندسية خاصة جديدة، وبالتالي أصبح المجموع 28 مدرسة خاصة مقابل 31 مدرسة عامة في مختلف الاختصاصات الهندسية، ويصل عدد المهندسين في تونس إلى نحو 70 ألف مهندس.
*هل تعتقدون أن تنامي عدد المدارس الهندسية يعتبر مؤشراً إيجابيّاً في اقتصاد البلاد؟
لاشك أنه مؤشر إيجابي، لكنه في الوقت نفسه، يعكس تحديات وإشكاليات، حيث لم نصل بعد إلى المعيار الدولي المعتمد في مجال الهندسة، وذلك باحتساب 10 مهندسين لكل ألف ساكن. فالعدد في تونس لا يزال في حدود 7 مهندسين لكل ألف ساكن، وهو ما يؤكد، أننا لم نصل بعد إلى المعيار العالمي، ويعود هذا بالأساس إلى وفرة المدارس الهندسية الخاصة منها والعامة، وبالتالي مضاعفة أعداد خريجي طلاب الهندسة، حيث بلغ عددهم من المدارس الخاصة والعامة، في العام 2010 حوالى 4000 مهندس ليتضاعف العدد في 2015 ويصل إلى 8500 مهندس متخرج.
من جهة أخرى، فإن مضاعفة أعداد خريجي المدارس الهندسية لم يواكبه تطور ونمو اقتصادي قادر على استيعاب هذه الأعداد من المهندسين، خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع نسبة النمو و تباطؤ وتراجع حجم الاستثمارات، وبالتالي فإن ضعف محركات الاقتصاد تزيد من حدة البطالة. وهنا يقع الإشكال، حيث تحدث المفارقة بين الزيادة المطردة في نسبة المتخرجين مقابل تدهور الاقتصاد.
*هل يعاني المهندسون في تونس من ارتفاع نسب البطالة في صفوفهم؟
تختلف نسب العاطلين عن العمل في صفوف المهندسين، وتتفاوت وفق الاختصاصات. ففي بعض الاختصاصات المطلوبة على غرار الاتصالات، لا يمكن رصد نسب بطالة، حيث لا تتعدى النسب صفراً في المائة. وفي اختصاصات أخرى، يمكن أن نتحدث عن بطالة مؤقتة مرتبطة بالوضع الاقتصادي. في حين تسجل قطاعات أخرى نسباً مرتفعة، كالنسيج، حيث تصل النسبة إلى 30%، وسجلت نسب البطالة في القطاع الفلاحي بين عامي 2013 و2014 نحو 40%.
*تعتبرون أن قطاع الهندسة يعد قاطرة التنمية، فكيف تفسرون ذلك؟
وفق تقديرنا، فإن التنمية الشاملة، هي دمج كل الأنشطة ومن بينها الهندسة، حيث يدخل العمل الهندسي في جميع الأنشطة، سواء الفلاحية، أو الصناعية، أو الخدماتية وحتى الطبية، حيث يمنح المهندسون قيمة مضافة لأي منتج يتم اعتماده في أي نشاط اقتصادي.
ويعتبر قطاع الهندسة قاطرة التنمية، ومثال على ذلك، ما يجري في الدول المتقدمة، وما تمنحه من محفزات مريحة لكفاءاتها الهندسية، وهو ما يفسر غياب البطالة في صفوف المهندسين في الدول المتقدمة على عكس الدول النامية، وبالتالي كلما ارتفعت حدة البطالة بين المهندسين في دولة ما، يعني ذلك أن اقتصادها متأزم، كما هو الحال في تونس. وبالتالي أعتقد أن تحفيز المهندسين والترفيع في أجورهم يحسن نسق عمل الإدارات. أما بالنسبة للحد من ظاهرة البطالة، فنحن كعمادة مهندسين، نطالب الدولة بالاستثمار في الموارد البشرية الهندسية وتشجيعهم على الاستثمار الخاص دون البقاء في انتظار التشغيل في الوظيفة العامة.
اقــرأ أيضاً
*في سياق الحديث عن الظروف المهنية للمهندس، كيف تفسرون واقع أجور المهندسين في تونس؟
يصل راتب المهندس إلى نحو 1200 دينار تونسي في القطاع العام، وحين يتم ترقيته، فإن راتبه يصل إلى 1700 دينار تونسي على نقيض العديد من القطاعات. ويعتبر هذا الواقع المهني متدنياً جداً، تسبب في هجرة العديد من الكفاءات الهندسية من الإدارات العامة، بالإضافة إلى هجرة بعضهم إلى الخارج بحثاً عن فرص عمل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً كبيراً من المهندسين يحاولون تغيير مسارهم المهني والاتجاه نحو التعليم العالي بحثاً عن ظروف عمل أكثر احتراماً، وذلك بسبب عجزهم على مجاراة نسق الحياة.
في بعض المؤسسات العامة، يتم انتداب مجموعة مهندسين بنظام العمال العرضيين، ولا تتجاوز رواتبهم أكثر من 400 دينار تونسي، ويعتبر هذا الراتب أمراً مخجلاً بحق المهندس.
علينا الإقرار، أن الدولة التونسية تنظر إلى المهندس نظرة قاصرة ولا تمنحه قدره، إذ لا تعتبر الدولة أن المجال الهندسي يعطي قيمة مضافة للاقتصاد، وهو ما يفسر عدم استثمارها في الموارد البشرية الهندسية وفي القطاع ككل.
هناك تناقض كبير في عمل الحكومة مع المجال الهندسي، حيث تراهن نظرياً على القطاع وتفتح الآفاق أمام التكوين الهندسي، كما تسن قانون يسمح بتأسيس معاهد هندسية كبرى، وفي المقابل تغيب الأجور المتناسبة، وتصبح النتيجة هجرة الكفاءات.
*هل طالبتم بتحسين شروط وظروف العمل الحكومي؟
طالبت العمادة ومنذ نشأتها، بضرورة تحسين الواقع التكويني والمهني للمهندسين، ولكن بعد الثورة، لم تستغل الهيئة المؤقتة التي باشرت أمور العمادة فرصة انفتاح كل القطاعات، واستعداد الدولة لتحقيق مطالب مختلف القطاعات، خاصة بشأن زيادة الأجور، وغيرها من الامتيازات، وضمانات العمل، فلم يحصل المهندس التونسي على شيء.
اليوم، ومع استلامنا مقاليد العمادة، بات الوضع أصعب، ونحن نعمل في الوقت الراهن للمطالبة بتحسين الوضع المادي، وقدمنا تصوراً خاصاً بذلك إلى الحكومة.
*هل شاركتم في وضع وصياغة وثيقة التنمية الخماسية؟
في فترة الانتخابات، تحدث الجميع عن وثيقة تنمية جديدة لتونس، ولكن بعد الانتخابات، فقد تم العمل على الوثيقة التوجيهية بمشاركة العديد من الأطراف، من بينهم المهندسون، تحت مسميات مختلفة، ولكن العمادة بوصفها الممثل المهني للمهندسين لم تشارك ولم تستشر في وضع وثيقة التنمية.
نأمل أن تفرض عمادة المهندسين كقوة، بعض الاقتراحات الخاصة بالشأن التنموي، لأننا قادرون على دراسة أي مشروع وتقديم الآراء، كما هو الشأن في مختلف الوزارات التي تقوم باستشارة العمادة في عديد المشاريع الوطنية الكبرى.
*هل تعتبرون أن القطاع الخاص يلبي تطلعات المهندسين التونسيين مقارنة بالقطاع العام؟
يعتبر القطاع الخاص يافطة كبيرة تخفي تناقضات كثيرة. هناك العديد من الشركات الخاصة التي توفر ظروف عمل مريحة ورواتب محترمة. في حين يعمل بعض المهندسين في شركات أخرى، براتب لا يتجاوز 400 دينار، بالإضافة إلى ظروف عمل تتسم بالاستغلال. كما يتعرض بعض المهندسين إلى الاستغلال من بعض المقاولين الذين يستغلون شهاداتهم العلمية، من أجل الحصول على الصفقات، وكسب الأموال.
*هل تستفيد عمادة المهندسين من الاتفاقيات الحكومية المبرمة مع الأطراف الخارجية؟
نأمل ذلك. لقد تم إشراك المهندسين في مختلف الاتفاقات الدولية، على غرار اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الجانب الأوروبي "الأليكا" التي تمت استشارتنا فيها، وقدمنا آراءنا بهذا الشأن، وهي مازالت قيد التفاوض.
كما نسعى أيضاً لتعزيز موقع المهندسين، وقد أبرمنا في 24 أبريل/ نيسان اتفاقية إطارية مع النقابات العامة للمهن الهندسية الليبية، وذلك من أجل فتح آفاق أمام الكفاءات الهندسية التونسية والمكاتب الهندسية التونسية للعمل على المشاريع الليبية الكبرى في حال عودة الهدوء والاستقرار إلى ليبيا.
*ماهي قيمة المشاريع الوطنية الكبرى المسندة إلى المهندسين التونسيين؟
تشارك المكاتب الهندسية التونسية الكبرى في مسابقات طلبات العروض للمشاريع الوطنية الكبرى، والأكيد أن بعضاً منها سيكون من نصيب مكاتب أجنبية، وبالتالي لن نكتفي بالسوق المحلية، ونسعى إلى اقتحام الأسواق الخارجية، خاصة في القارة الأفريقية التي تشهد نمواً كبيراً، وبالتالي نسعى إلى فتح الطريق أمام المكاتب الهندسية التونسية.
*كيف ترون واقع التشريعات القانونية الخاصة بالعمل الهندسي في تونس؟
تحتاج التشريعات الحالية إلى كثير من المراجعات في مختلف المجالات والاختصاصات. ونحن اليوم بصدد التفاوض مع وزارة التجهيز لمراجعة القانون المنظم للبناءات المدنية، كونه قديماً يعود إلى العام 1978.
*هل تفكرون في إطلاق حوار وطني لإصلاح منظومة التكوين في المجال الهندسي؟
لابد من الإشارة أولاً، إلى أن نحو 53% من أعضاء الحكومات المتعاقبة في تونس، منذ ثورة يناير 2011، هم مهندسون. وعلى الرغم من ذلك اتبعوا جميعاً سياسات خاطئة على اعتبار أننا لم نصل إلى المعيار الدولي المتوسط بتوفير 10 مهندسين لكل ألف مواطن، وذلك بسبب غياب الدراسات البحثية الخاصة بواقع المهندسين وظروف القطاع لوضع حدّ للبطالة.
بعد الاحتجاجات التي حصلت في مدارس الهندسة عام 2014، وبأمر من وزير التعليم العالي، تم إنشاء لجنة إصلاح التكوين الهندسي، والتي استمر عملها نحو 7 أشهر، حيث قدمت تقريرها وتوصياتها للنهوض بجودة التكوين ووضع تصور جديد يتلاءم والمستوى الدولي. وقد انطلقت عملية الإصلاح منذ السنة الجامعية الحالية.
تعريف:
أسامة الخريجي، حاصل على شهادة الهندسة من المعهد الوطني للعلوم الفلاحية في تونس، وهو مديرعام للمعهد الوطني للزراعات الكبرى. تم انتخابه عميداً للمهندسين التونسيين في 2014
وبعد تنامي أعداد المتعلمين، خاصة أصحاب الشهادات، بدأت المعاهد الهندسية تتكاثر، ومنذ عام 2000 بدأ إنشاء المدارس الهندسية الخاصة، حيث تم استحداث بين الأعوام 2000 و2010 نحو 16 مدرسة هندسية خاصة، أما بين الأعوام 2011 و2015، فقد تم استحداث 12 مدرسة هندسية خاصة جديدة، وبالتالي أصبح المجموع 28 مدرسة خاصة مقابل 31 مدرسة عامة في مختلف الاختصاصات الهندسية، ويصل عدد المهندسين في تونس إلى نحو 70 ألف مهندس.
*هل تعتقدون أن تنامي عدد المدارس الهندسية يعتبر مؤشراً إيجابيّاً في اقتصاد البلاد؟
لاشك أنه مؤشر إيجابي، لكنه في الوقت نفسه، يعكس تحديات وإشكاليات، حيث لم نصل بعد إلى المعيار الدولي المعتمد في مجال الهندسة، وذلك باحتساب 10 مهندسين لكل ألف ساكن. فالعدد في تونس لا يزال في حدود 7 مهندسين لكل ألف ساكن، وهو ما يؤكد، أننا لم نصل بعد إلى المعيار العالمي، ويعود هذا بالأساس إلى وفرة المدارس الهندسية الخاصة منها والعامة، وبالتالي مضاعفة أعداد خريجي طلاب الهندسة، حيث بلغ عددهم من المدارس الخاصة والعامة، في العام 2010 حوالى 4000 مهندس ليتضاعف العدد في 2015 ويصل إلى 8500 مهندس متخرج.
من جهة أخرى، فإن مضاعفة أعداد خريجي المدارس الهندسية لم يواكبه تطور ونمو اقتصادي قادر على استيعاب هذه الأعداد من المهندسين، خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع نسبة النمو و تباطؤ وتراجع حجم الاستثمارات، وبالتالي فإن ضعف محركات الاقتصاد تزيد من حدة البطالة. وهنا يقع الإشكال، حيث تحدث المفارقة بين الزيادة المطردة في نسبة المتخرجين مقابل تدهور الاقتصاد.
*هل يعاني المهندسون في تونس من ارتفاع نسب البطالة في صفوفهم؟
تختلف نسب العاطلين عن العمل في صفوف المهندسين، وتتفاوت وفق الاختصاصات. ففي بعض الاختصاصات المطلوبة على غرار الاتصالات، لا يمكن رصد نسب بطالة، حيث لا تتعدى النسب صفراً في المائة. وفي اختصاصات أخرى، يمكن أن نتحدث عن بطالة مؤقتة مرتبطة بالوضع الاقتصادي. في حين تسجل قطاعات أخرى نسباً مرتفعة، كالنسيج، حيث تصل النسبة إلى 30%، وسجلت نسب البطالة في القطاع الفلاحي بين عامي 2013 و2014 نحو 40%.
*تعتبرون أن قطاع الهندسة يعد قاطرة التنمية، فكيف تفسرون ذلك؟
وفق تقديرنا، فإن التنمية الشاملة، هي دمج كل الأنشطة ومن بينها الهندسة، حيث يدخل العمل الهندسي في جميع الأنشطة، سواء الفلاحية، أو الصناعية، أو الخدماتية وحتى الطبية، حيث يمنح المهندسون قيمة مضافة لأي منتج يتم اعتماده في أي نشاط اقتصادي.
ويعتبر قطاع الهندسة قاطرة التنمية، ومثال على ذلك، ما يجري في الدول المتقدمة، وما تمنحه من محفزات مريحة لكفاءاتها الهندسية، وهو ما يفسر غياب البطالة في صفوف المهندسين في الدول المتقدمة على عكس الدول النامية، وبالتالي كلما ارتفعت حدة البطالة بين المهندسين في دولة ما، يعني ذلك أن اقتصادها متأزم، كما هو الحال في تونس. وبالتالي أعتقد أن تحفيز المهندسين والترفيع في أجورهم يحسن نسق عمل الإدارات. أما بالنسبة للحد من ظاهرة البطالة، فنحن كعمادة مهندسين، نطالب الدولة بالاستثمار في الموارد البشرية الهندسية وتشجيعهم على الاستثمار الخاص دون البقاء في انتظار التشغيل في الوظيفة العامة.
*في سياق الحديث عن الظروف المهنية للمهندس، كيف تفسرون واقع أجور المهندسين في تونس؟
يصل راتب المهندس إلى نحو 1200 دينار تونسي في القطاع العام، وحين يتم ترقيته، فإن راتبه يصل إلى 1700 دينار تونسي على نقيض العديد من القطاعات. ويعتبر هذا الواقع المهني متدنياً جداً، تسبب في هجرة العديد من الكفاءات الهندسية من الإدارات العامة، بالإضافة إلى هجرة بعضهم إلى الخارج بحثاً عن فرص عمل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً كبيراً من المهندسين يحاولون تغيير مسارهم المهني والاتجاه نحو التعليم العالي بحثاً عن ظروف عمل أكثر احتراماً، وذلك بسبب عجزهم على مجاراة نسق الحياة.
في بعض المؤسسات العامة، يتم انتداب مجموعة مهندسين بنظام العمال العرضيين، ولا تتجاوز رواتبهم أكثر من 400 دينار تونسي، ويعتبر هذا الراتب أمراً مخجلاً بحق المهندس.
علينا الإقرار، أن الدولة التونسية تنظر إلى المهندس نظرة قاصرة ولا تمنحه قدره، إذ لا تعتبر الدولة أن المجال الهندسي يعطي قيمة مضافة للاقتصاد، وهو ما يفسر عدم استثمارها في الموارد البشرية الهندسية وفي القطاع ككل.
هناك تناقض كبير في عمل الحكومة مع المجال الهندسي، حيث تراهن نظرياً على القطاع وتفتح الآفاق أمام التكوين الهندسي، كما تسن قانون يسمح بتأسيس معاهد هندسية كبرى، وفي المقابل تغيب الأجور المتناسبة، وتصبح النتيجة هجرة الكفاءات.
*هل طالبتم بتحسين شروط وظروف العمل الحكومي؟
طالبت العمادة ومنذ نشأتها، بضرورة تحسين الواقع التكويني والمهني للمهندسين، ولكن بعد الثورة، لم تستغل الهيئة المؤقتة التي باشرت أمور العمادة فرصة انفتاح كل القطاعات، واستعداد الدولة لتحقيق مطالب مختلف القطاعات، خاصة بشأن زيادة الأجور، وغيرها من الامتيازات، وضمانات العمل، فلم يحصل المهندس التونسي على شيء.
اليوم، ومع استلامنا مقاليد العمادة، بات الوضع أصعب، ونحن نعمل في الوقت الراهن للمطالبة بتحسين الوضع المادي، وقدمنا تصوراً خاصاً بذلك إلى الحكومة.
*هل شاركتم في وضع وصياغة وثيقة التنمية الخماسية؟
في فترة الانتخابات، تحدث الجميع عن وثيقة تنمية جديدة لتونس، ولكن بعد الانتخابات، فقد تم العمل على الوثيقة التوجيهية بمشاركة العديد من الأطراف، من بينهم المهندسون، تحت مسميات مختلفة، ولكن العمادة بوصفها الممثل المهني للمهندسين لم تشارك ولم تستشر في وضع وثيقة التنمية.
نأمل أن تفرض عمادة المهندسين كقوة، بعض الاقتراحات الخاصة بالشأن التنموي، لأننا قادرون على دراسة أي مشروع وتقديم الآراء، كما هو الشأن في مختلف الوزارات التي تقوم باستشارة العمادة في عديد المشاريع الوطنية الكبرى.
*هل تعتبرون أن القطاع الخاص يلبي تطلعات المهندسين التونسيين مقارنة بالقطاع العام؟
يعتبر القطاع الخاص يافطة كبيرة تخفي تناقضات كثيرة. هناك العديد من الشركات الخاصة التي توفر ظروف عمل مريحة ورواتب محترمة. في حين يعمل بعض المهندسين في شركات أخرى، براتب لا يتجاوز 400 دينار، بالإضافة إلى ظروف عمل تتسم بالاستغلال. كما يتعرض بعض المهندسين إلى الاستغلال من بعض المقاولين الذين يستغلون شهاداتهم العلمية، من أجل الحصول على الصفقات، وكسب الأموال.
*هل تستفيد عمادة المهندسين من الاتفاقيات الحكومية المبرمة مع الأطراف الخارجية؟
نأمل ذلك. لقد تم إشراك المهندسين في مختلف الاتفاقات الدولية، على غرار اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الجانب الأوروبي "الأليكا" التي تمت استشارتنا فيها، وقدمنا آراءنا بهذا الشأن، وهي مازالت قيد التفاوض.
كما نسعى أيضاً لتعزيز موقع المهندسين، وقد أبرمنا في 24 أبريل/ نيسان اتفاقية إطارية مع النقابات العامة للمهن الهندسية الليبية، وذلك من أجل فتح آفاق أمام الكفاءات الهندسية التونسية والمكاتب الهندسية التونسية للعمل على المشاريع الليبية الكبرى في حال عودة الهدوء والاستقرار إلى ليبيا.
*ماهي قيمة المشاريع الوطنية الكبرى المسندة إلى المهندسين التونسيين؟
تشارك المكاتب الهندسية التونسية الكبرى في مسابقات طلبات العروض للمشاريع الوطنية الكبرى، والأكيد أن بعضاً منها سيكون من نصيب مكاتب أجنبية، وبالتالي لن نكتفي بالسوق المحلية، ونسعى إلى اقتحام الأسواق الخارجية، خاصة في القارة الأفريقية التي تشهد نمواً كبيراً، وبالتالي نسعى إلى فتح الطريق أمام المكاتب الهندسية التونسية.
*كيف ترون واقع التشريعات القانونية الخاصة بالعمل الهندسي في تونس؟
تحتاج التشريعات الحالية إلى كثير من المراجعات في مختلف المجالات والاختصاصات. ونحن اليوم بصدد التفاوض مع وزارة التجهيز لمراجعة القانون المنظم للبناءات المدنية، كونه قديماً يعود إلى العام 1978.
*هل تفكرون في إطلاق حوار وطني لإصلاح منظومة التكوين في المجال الهندسي؟
لابد من الإشارة أولاً، إلى أن نحو 53% من أعضاء الحكومات المتعاقبة في تونس، منذ ثورة يناير 2011، هم مهندسون. وعلى الرغم من ذلك اتبعوا جميعاً سياسات خاطئة على اعتبار أننا لم نصل إلى المعيار الدولي المتوسط بتوفير 10 مهندسين لكل ألف مواطن، وذلك بسبب غياب الدراسات البحثية الخاصة بواقع المهندسين وظروف القطاع لوضع حدّ للبطالة.
بعد الاحتجاجات التي حصلت في مدارس الهندسة عام 2014، وبأمر من وزير التعليم العالي، تم إنشاء لجنة إصلاح التكوين الهندسي، والتي استمر عملها نحو 7 أشهر، حيث قدمت تقريرها وتوصياتها للنهوض بجودة التكوين ووضع تصور جديد يتلاءم والمستوى الدولي. وقد انطلقت عملية الإصلاح منذ السنة الجامعية الحالية.
تعريف:
أسامة الخريجي، حاصل على شهادة الهندسة من المعهد الوطني للعلوم الفلاحية في تونس، وهو مديرعام للمعهد الوطني للزراعات الكبرى. تم انتخابه عميداً للمهندسين التونسيين في 2014