انطلقت، اليوم الثلاثاء، في أروقة بروكسل جولة جديدة من الاجتماعات والمشاورات بين رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي للاتفاق على توزيع المناصب العليا، وذلك بعد عدم توصلهم خلال اليومين الماضيين إلى حل يرضي جميع الأطراف.
ويشارك قادة الاتحاد الأوروبي في الاجتماعات لاختيار رئيس جديد خلفا للرئيس الحالي جان كلود يونكر، بالإضافة إلى 4 مناصب أخرى، أهمها رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس المجلس الأوروبي، بالإضافة إلى منسق شؤون خارجية الاتحاد الأوروبي.
ويدور الحديث حاليا عن بعض المقاربات التي من الممكن أن تنتج الحلول الوسط ما بث بعض التفاؤل قبيل الاجتماع. وكان الحدث الأبرز تراجع حظوظ مرشح حزب "الشعب الأوروبي" مانفريد ويبر، المدعوم من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لتولي رئاسة المفوضية، مع تقدم السياسي الهولندي، فرانس تيمرمانس، لخلافة يونكر، على أن يحصل ويبر على رئاسة البرلمان الأوروبي، رغم بروز بعض الاعتراضات على اسمه. ودخل حزب الخضر أيضا على الخط، بعدما أدخل مرشحته سيكا كلير في ميدان السباق إلى رئاسة البرلمان الأوروبي، والحزب الاشتراكي بكاترينا بارلي لنيابة رئاسة البرلمان الأوروبي.
وفي هذا السياق، قال ويبر للقناة الثانية الألمانية ليل أمس الاثنين، إنه يصر على التقيد بالقواعد الديمقراطية في البحث عن رئيس جديد للمفوضية، وعلى أن تنعكس نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة في تقلد المناصب العليا في أوروبا، مؤكدا أنه مع حزبه مستعدان لتقديم التنازلات. ومن المقرر أن تجتمع الكتل لإجراء المداولات وانتخاب رئيس للبرلمان غدا الأربعاء، وذلك وفقا لما ستسفر عنه محادثات بروكسل اليوم وفق ما بينته العديد من التقارير.
وفي ردود الفعل على المفاوضات الصعبة بين زعماء التكتل بينت التقارير أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يشعر بخيبة أمل من المحادثات، معتبرا أن مصداقية الاتحاد تضررت بشدة، فيما عبر رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، عن "إحباط هائل". وكان ماكرون قد صاغ مع الأخير تحالفا يضم 11 دولة من أصل 28، وهي لا تدعم أياً من المرشحين الرئيسين الثلاثة ويبر وتيمرمانس ومارغريت فيستغر.
وبات الصراع يشتد على منصب رئيس المفوضية الأوروبية، وهناك حال من الترقب للمفاوضات نظرا للعروض والتنازلات التي تتحكم بمفاصل العملية بعد ما أفرزته الانتخابات الأوروبية التي جرت يوم 26 من مايو/ أيار الماضي، وبروز تكتلات جديدة وتقلص أحجام تكتلات أخرى، فضلا عن اعتبارات عدة سلم بها المسؤولون الأوروبيون، بينها البلد والشخص وجنس المرشح، أي اعتراف الجميع بأحقية تولي امرأة على الأقل أحد المناصب الخمسة العليا.
وفي هذا الإطار، ذكرت تقارير صحافية أخيرا أن اسم رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، يطرح كاسم توافقي لرئاسة المفوضية، بالنظر لخبرتها السياسية والمالية. وبينت صحيفة "تاغس شبيغل" أن ألمانيا قد تقبل بها بدلا من المرشح الرئيسي لحزب "الشعب الأوروبي" المدعوم من ميركل، على أن تسند رئاسة البنك المركزي الأوروبي لرئيس البنك المركزي الألماني ينس فيدمان.
من جهة ثانية، ذكرت شبكة "ايه ار دي" أخيرا أن هناك مناقشة لأسماء أخرى بينها اسم البلجيكي، شارل ميشال، كمنسق للشؤون الخارجية، والبلغارية كريستالينا جيورجيفا لرئاسة المجلس الأوروبي كتعويض لدول أوروبا الشرقية. وهذا مؤشر إلى أن جميع المناصب الخمسة الأساسية التي تخص التكتل الأوروبي باتت محل جذب والمطلوب تحقيق التوازن وإرضاء جميع الأطراف.
وفي خضم ذلك، يرى المحللون أن الصراع بين زعيمي أكبر قوتين في الاتحاد، ألمانيا وفرنسا، على أشده، في ظل الحديث عن نية ماكرون تقزيم الأحزاب الكبرى، طمعا بدور أكبر لليبراليين في بروكسل، وهو يبدي كل الدعم للفرنسي ميشال بارنييه الذي خاض مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
على الجانب الآخر، فإن ميركل اللاعب الرئيسي في الاستحقاقات الأوروبية الكبرى، لن تتنازل بسهولة، من منطلق أن برلين ترى أن بارنييه لم يكن قط مرشحا بارزا، بل أيضا من الشخصيات التي تمثل السياسة الاقتصادية الفرنسية. ويسود الآن حال من الترقب لمن ستكون الكلمة الفصل، خاصة أن ميركل لن تقبل على الأقل وعلى نحو غير مناسب اقتراحات ماكرون من أجل تطوير الاتحاد الأوروبي التي قدمها خريف عام 2017 إذا ما استمر في تعنته، وفي مؤشر إلى نيته كسر هيمنة حزب "الشعب الأوروبي" على رئاسة المفوضية.